اعترف بأنني لا أجيد فن الحساب وعلم الأرقام، ولم أهتم يوما بفكرة الجمع والطرح والقسمة والضرب لأنني ببساطة امتلك قوانيني التي لا تقبل القسمة علي اثنين ومن أبسط تعريفتها" الحب" وكم أشقاني وأسعدني في نفس الوقت، فقد منحني يقظة الضمير، الذي يحضرني دوما لدرجة جلد الذات، علي قدر خوفي من النهايات علي قدر محافظتي علي اللحظات التي تتسرب من دفتر حساب الأيام، يوما بعد يوم، ونحن منشغلون أو كما يبدو لنا ذلك. كلما مر عام وجاء عام لا اعر له بالا، فلا فرق عندي للمواعيد غير تنظيم الوقت والحياة، أما ما يعنيه لذاتي فهو أمر آخر. قالت لي أمي ذات يوم وهي لم تكن تعرف القراءة والكتابة لأنها كانت فاقدة للبصر وليست البصيرة: اليوم الذي يمر عليك وانت في خير من أحوالك وأعمالك هو اليوم الذي يجب ان تحتفي به، هكذا بمنتهي البساطة عرفت لي أمي معني السعادة وكيف تكون شخصا سعيدا دون اللجوء إلي تعريفات الفلاسفة والمفكرين، كانت أمي تمتلك الحكمة الفطرية والطيبة الواضحة، التي علمتني بها أن الأيام بحلوها ومرها تمر مهما كان حجمها وشأنها، لا شيء يقف في مكانه، لا الحزن يدوم ولا الفرح يدوم، هذه المعادلة البسيطة للحياة تترك لنا مساحات من التصالح مع النفس دون الالتفات لتواريخ وأزمنة لنسعد بالحياة، هذا التصالح مع الذات الدائم يجعلنا قادرين دوما علي العطاء كأمر طبيعي في الحياة، والذي يتحول بمرور الوقت إلي جزء من تكونينا، الذي لا يفيد معه ندم علي فعل معروف أو خير لمن لا يستحقون، فأنت تتصرف مع الأخرين بما أنت عليه، بثقافتك ومعرفتك التي اكتسبتها من الحياة وما ورثته من أجدادك، ان الأخلاق ارث يورث، وما غير ذلك مكتسب من البيئة من حولك ! في مثل هذه الأيام تعاودني الذكريات ولا أعرف لماذا في هذا التوقيت بالذات تتكثف الصور والاصوات المحببة إلي قلبي؟ هل ذكرياتنا تظل نائمة طوال العام ويوقظها دق أجراس نهايات الأعوام؟، أم يوقظها الحنين؟!، أنه أمر نسبي ولكني أتصور انه الحنين الذي يلعب لعبته الشقية مع الأيام، بهذا الإحساس الخفي الذي يقف في حالة انتظار لأي لحظة اشتياق أو خوف تساورنا في صمت. والذي يكبر ويتسع مع مرور العمر الذي غالبا يحسب بعدد التجارب التي مرت في حياتنا من خيبات ونجاحات، تماما مثل علم الحساب الذي تعلمته من أمي ذات يوم وهي تشرح لي نسبية السعادة. التحاور مع الذات يوميا أمر صحي لأنه يخلصك من شوائب الأفعال والتصرفات أولا بأول ولا نحتاج لجلسات طويلة لتهدئة الأجواء بينا وبين ذواتنا، المتعلقة كثيرا بأمر الدنيا، التي ندعو الله إلا تكون همنا الوحيد، فلا تؤجل كلمة اعتراف بالحب لأحد تشعر تجاه بالحب والعرفان ولا تؤجل فعل خير لوقت أخر فالحياة أقصر مما نتخيل. وعلينا أن نعمل كما لوكنا سنعيش طويلا ونفعل كما لو كنا سنموت بعد لحظة. الحياة سلسلة من التجارب المحبطة والنجاحات القليلة ليست الفكرة في حساب كل من هذه التجارب بعددها وإنما الحكمة تكمن في حجم الفائدة التي تعود علينا من التجارب الفاشلة أكثر من الناجحة، مرارة الفشل تظل طويلا وفرحة النجاح تنتهي بعد مرور التجربة أنها كالنشوة اللحظية في العمر. عمر الأحزان أطول من عمر الأفراح، ولذا علينا اكتشاف وتوسيع رقعة الفرح في حياتنا في أبسط أمور حياتنا عندما نكون قادرين علي الاستيقاظ كل يوم بصحة وعافية هذا في حد ذاته أمرا رائعا انظر دائما لنصف الكوب المليان. هكذا أقدم لنفسي كشف حساب مع الذات بصوت مرتفع.