أوربان: بروكسل قررت أن على أوكرانيا مواصلة النزاع    موعد مباراة الترجي وفلامنجو في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    تجهيز المجازر وساحات الصلاة.. التنمية المحلية تكشف استعدادات المحافظات لعيد الأضحى    العقوبة المتوقعة على العامل الذي أشهر سلاحا أبيض في وجه زبائن المطعم بمدينة نصر    ترامب: لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم    زلزال بقوة 6.2 ريختر يضرب الحدود التركية.. والمصريون يشعرون به للمرة الثالثة في شهر    زلزال بقوة 6.6 على مقياس ريختر يضرب جزيرة رودس اليونانية    الحوثيون يقصفون دولة الاحتلال.. مستوطنون في الملاجئ وتعليق الطيران    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب منطقة الحدود بين جزر دوديكانيز وتركيا    مديرية الطب البيطري بالوادي الجديد تطرح لحومًا بلدية ب280 جنيها للكيلو    مروان عطية: لم نعرف بقرار الإدارة قبل مباراة الزمالك بساعة ونصف.. وألعب مصابا    لقطات من حفل زفاف سيد نيمار لاعب الزمالك    صرف 11 مليون جنيه منحة ل 7359 عامل في الوادي الجديد    الدولار ب49.64 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 3-6-2025    قرارات عاجلة من وزير التعليم قبل بدء العام الدراسي الجديد 2026 (تفاصيل)    تعليم الوادي الجديد: 1400 طالب مستفيد يوميًا من المراجعات بالمساجد    تامر حسني يرد على إمكانية عمل ديو مع عمرو دياب (فيديو)    دعاء الزلزال.. «الإفتاء» تنصح المواطنين بترديد هذه الأدعية في أوقات الكرب    طقس معتدل والعظمى في القاهرة 31.. حالة الطقس اليوم    بيل جيتس يُعلن استثمار 200 مليار دولار في الصحة والتعليم بأفريقيا خلال 20 عامًا    الجارديان: استهداف المدارس المستخدمة كملاجئ في غزة "جزء من استراتيجية قصف متعمدة"    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    أحفاد نوال الدجوي يبدأون مفاوضات الصلح وتسوية خلافات الميراث والدعاوى القضائية    ترامب: لن نسمح بأي تخصيب لليورانيوم في إيران    وسط تحذيرات صهيونية من دخولها . اعتقالات تطال مهجّري شمال سيناء المقيمين بالإسماعيلية بعد توقيف 4 من العريش    محامي نوال الدجوي يكشف وصية سرية من نجلتها الراحلة منى    أهم الأعمال المستحبة في العشر الأواخر من ذي الحجة    مجلس الاتحاد السكندري يرفض استقالة مصيلحي    ارتفاع كبير ب840 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة (محليًا وعالميًا)    لاند روفر ديفندر 2026 تحصل على أضواء مُحسّنة وشاشة أكبر    مصدر أمني يكشف ملابسات فيديو لمركبات تسير في الحارة المخصصة للأتوبيس الترددي    رسميًا بالزيادة الجديدة.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 وحقيقة تبكيرها قبل العيد    عاشور يهنئ فلوريان أشرف لفوزها بجائزة أفضل دكتوراه في الصيدلة من جامعات باريس    مستقبل وطن بالأقصر يُنظم معرض «أنتِ عظيمة» لدعم الحرف اليدوية والصناعة المحلية    سقوط «نملة» بحوزته سلاح آلي وكمية من المخدرات بأسوان    التعليم: زيادة أفراد الأمن وعناصر إدارية على أبواب لجان الثانوية العامة لمنع الغش    بمشاركة 500 صيدلي.. محافظ قنا يشهد افتتاح مؤتمر صيادلة جنوب الصعيد الأول    أحمد السقا يوجه رسالة تهنئة ل ابنته بمناسبة تخرجها    بسبب لحن أغنية.. بلاغ من ملحن شهير ضد حسين الجسمي    رحمة محسن: اشتغلت على عربية شاي وقهوة وأنا وأحمد العوضي وشنا حلو على بعض    "أوقاف سوهاج" تطلق حملة توعوية لتقويم السلوكيات السلبية المصاحبة للأعياد    1400 طالب يوميًا يستفيدون من دروس التقوية في مساجد الوادي الجديد    «أنا مش مغيب!».. تعليق مثير من هاني سعيد على احتفالات بيراميدز بعد مواجهة سيراميكا    قناة الأهلي: هناك أزمة في مشاركة ديانج بكأس العالم للأندية    قرار من رئيس جامعة القاهرة بشأن الحالة الإنشائية للأبنية التعليمية    طريقة عمل شاورما اللحم، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    الكشف عن تمثال أسمهان بدار الأوبرا بحضور سلاف فواخرجي    تزوج فنانة شهيرة ويخشى الإنجاب.. 18 معلومة عن طارق صبري بعد ارتباط اسمه ب مها الصغير    حين يتعطر البيت.. شاهد تطيب الكعبة في مشاهد روحانية    سعد الهلالي: كل الأضحية حق للمضحي.. ولا يوجد مذهب ينص على توزيعها 3 أثلاث    4 أبراج «بيعرفوا ياخدوا قرار»: قادة بالفطرة يوزّعون الثقة والدعم لمن حولهم    أسطورة ميلان: الأهلي سيصنع الفارق بالمونديال.. وما فعله صلاح خارقًا    وزارة الإنتاج الحربي تنظم ندوات توعوية للعاملين بالشركات    القومي للبحوث يقدم نصائح مهمة لكيفية تناول لحوم العيد بشكل صحي    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس والشعب المصري بحلول عيد الأضحى المبارك    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه :أحمد البرى
أحلام البيت القديم !
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 12 - 2016

تستحق دنيانا بأن نعيشها بحلوها ومرها، وألا نفقد الأمل فى غد أفضل وأجمل وأكثر إشراقا،وهذا ما أكدته لى تجربتى فى الحياة، فأنا رجل نشأت فى أسرة مترابطة لأبوين متحابين رزقهما الله بسبعة أبناء، خمسة أولاد أنا أحدهم، وبنتين، فكرسا حياتهما لتربيتنا، وأقاما بيتا جميلاً يضمنا جميعا، وبذلا فيه الغالى والنفيس، وذرفا دموعهما وعرقهما ودماءهما فى سبيل إتمام بنائه لدرجة أن أمي اضطرت إلى بيع قرطها الذهبى البسيط الذى زين أذنيها سنوات طويلة إلى أن أصبح جزءاً عزيزاً من تراثها الشخصى المتواضع.. باعته عن طيب خاطر لتسد به ثغرة صغيرة فى تكاليف البيت الذى استنفد كل مليم من دخل أبى المحدود ومدخرات أمى الهزيلة، وفيه تزوجت من فتاة فاضلة، ورزقنى الله بابنتى الوحيدة التى نمت وترعرعت حتى استوت شابة يافعة، وفيه أيضا تزوج جميع أخوتى باستثناء أختى أحلام التى تزوجت فى بيت آخر بعيد عن المنطقة التى نقطن بها من ابن عمنا وابن خالتنا فى الوقت نفسه.
وشاء القدر أن أشهد مولد كل طفل وطفلة من أبناء أخوتى، وتربوا جميعا فى أحضانى، وشبوا أمام عينىّ يوما بيوم، وربط بيننا عقد غير مكتوب بأن يأخذوا منى حبا وعطفا وحنانا، وأنا أنهل من براءتهم ولطفهم وجمالهم ما يضفى علىّ السعادة والراحة والطمأنينة، وكنت الرابح دائما فى هذه الصفقة المجزية، وكبروا مع الأيام فمنهم من أصبحت عروسا جميلة، ومن أضحى شابا يافعا، وهناك من مازال فى مسالك الطفولة البريئة، وكلهم شمس حياتى التى تملأنى نوراً ودفئاً فى الأيام الباردة، أما بيتنا الكبير، فأراه دائما كيانا ينبض بالحب والإيثار والمشاعر الجميلة ولم يتراءى لعينى فى أى يوم من الأيام بناء أصم من طوب وأسمنت، ولكن وكما يقولون ليس كل مايتمناه المرء يدركه، وقد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، إذ داهمتنا المآسى المفجعة الواحدة تلو الآخرى لتقوض أركان هذا البيت الرائع، وتهدم قواعده المتينة، فرحل أخى الذى يلينى فى السن صغيراً قبل أن ينعم بزوجة وذرية تحمل اسمه، ثم ماتت أمى حزنا وكمدا عليه، ولحق بها أبى، وخيم الحزن على البيت واختفت الابتسامة التى لم تكن تفارقنا.
وفى ليلة سوداء ستظل ذكراها محفورة داخلى، كنت عائداً من عملى، ولمحت عن بعد حركة غير طبيعية أمام بيتنا، ورأتنى زوجتى فأسرعت إلىَّ، وأخبرتنى أن أخى الأكبر مات وكان قد تعرض لبتر إحدى قدميه، قبل رحيله بأيام، ومادت الأرض بى، ونقلونى إلى البيت فى حالة سيئة، ولما أفقت وجدت أمامى أرملته المسكينة وأبناءه الثلاثة، فتاة وولدين أحدهما فى عمر الزهور، فوجهت وجهى إلى المولى عز وجل داعيا أن يعيننا على ما نحن فيه، ويبدو أن المفاجآت لا تأتى فرادى، فلقد ترك أخى الذى يكبرنى مباشرة البيت، وانتقل للاقامة هو وزوجته عند حماته وهى عمتنا، وظلا ملازمين لها أياما طويلة إلى أن رحلت عن الحياة، وبقيا فى مسكنها، ونقلا أوراق ابنهما الوحيد إلى مدرسة مجاورة للمنزل، ولم يعد أخى إلى بيتنا الكبير إلا زائرا وعلى فترات متباعدة.
وحفرت كل تلك الأحداث الدامية، أثراً حزيناً فى أنفسنا أنا وزوجتى وابنتنا، فها هو البيت الذى كان يعج بالبشر، وترن فيه الضحكات، وتحيطه السعادة ليلا ونهارا يتحول إلى سجن كبير تغشاه الكآبة والأحزان، ويكتنفه الصمت والأسى، ثم جاءت القشة التى قصمت ظهر البعير، إذ تزوج أصغر أخوتى فى البيت الكبير، ولم تمض أيام على زواجه حتى دبت الخلافات العاصفة بين زوجتى وزوجته بلا مقدمات منطقية أو أسباب معقولة، فازدادت نفسية زوجتى وابنتى سوءا، وأشارتا علىّ بترك البيت القديم ولو بشكل مؤقت، وفى غمرة حيرتى وأحزانى صادفت رغبتهما هوى فى نفسى الجريحة، فوجدتنى أطاوعهما وألملم معهما الأثاث وكتبى وأغراضى، ثم ودعنا بيت العائلة إلى شقة بالايجار الحديث، وكم كان قرارا مؤلما أن أترك البيت الذى رأت فيه ابنتى الوحيدة النور لأول مرة وكبرت وصارت عروسا بين جدرانه، لكنها الأيام القاسية التى تدفع المرء إلى ما لا يحبه ولا يرغب فيه إلا لتفادى الخلافات والمشاحنات.
ومرت الأيام وكاد الشعور باليأس أن يتملكنى.. يأسا من الإحساس بلحظة ألفة، أو لحظة حب دافئة من لحظات الزمن الجميل، وكدت أوقن بأن الأيام الرائعة قد ولت وانقضت من حياتى، ولا سبيل إلى عودتها مرة أخرى، لولا وجود أختى «أحلام» فى حياتنا، فهى بالفعل اسم على مسمى، وأراها ظل أمنا الراحلة على الأرض، إذ تشع من قسماتها ملامح الوداعة والطيبة والمحبة تماما مثل والدتنا، وهى رمانة الميزان وحجر الأساس ودفة المركب، ووتد الخيمة فى حياة عائلتنا المنكوبة، ولا أبالغ فى وصفها فهى والله مثالية فى كل شىء، إذ تزور مريضنا، وتواسى حزيننا، وتضمد جريحنا، وتجامل الجميع، وتتدخل فى الوقت المناسب لعلاج أسباب أى خلاف قد ينشب بين أفراد عائلتنا التى ابتليت بالمأساة تلو الأخرى، وسبيلها إلى ذلك ما ورثته عن أبوينا من طيبة وحكمة ووداعة وإيثار، ولا تبالى بالتضحية بوقتها وجهدها ومالها لإسعاد الآخرين.
وظل الخلاف الوحيد فى عائلتنا هو القائم بين زوجتى، وزوجة أخى الأصغر، وبمرور الوقت أضحى مشكلة مستعصية على الحل، وعلمت أنها حامل، فزادت أوجاعى، وسألت نفسى، هل سيولد لأخى طفل وأنا بعيد عن البيت الكبير؟.. وهل ستمر الأيام ويكبر دون أن أضمه إلى صدرى كما ضممت كل أطفال أخوتى، ومازالت علاقتى بهم كما هى لم يغيرها الزمان ولا المكان، وأعقد معه الصفقة التى عقدتها مع ملائكة العائلة الصغار، وهى الحب مقابل البراءة، والعطف مقابل اللطف، والحنان مقابل الجمال ؟.. وإذا بأختى أحلام تتدخل لإزالة هذا الجفاء، فشحذت أسلحتها، واستعانت بما ورثته عن أبوىّ من طيبة ووداعة ومحبة فى حل الخلاف المستعصى مع أخى وزوجته، وعلاج أسبابه، ولن أنسى ما حييت هذا اليوم الجميل، فلقد كنت فى عملى حين اتصلت بى زوجتى تزف الىّ بشرى جعلت قلبى يطير فرحا ونشوة، بأن أختى أحلام فى شقتنا وبصحبتها أخى الأصغر الذى جاء معها لكى يعتذر لزوجتى عما حدث بين زوجته وبينها، ويدعوها إلى حضور «سبوع» مولوده الذى أطلق عليه أسم شقيقنا الراحل الذى لم يتزوج لكى يبقى اسمه مترددا على ألسنتنا جميعا.
وفى يوم السبوع سبقتنى زوجتى وابنتى إلى البيت القديم، أما أنا فقد استأذنت من عملى مبكرا لألحق بهما، وحين دلفت إلى شارعنا وقعت عيناى على البيت فإذا به محاط بالأنوار المتلألئة، وتنبعث من داخله صيحات الفرح والسرور، فوجدتنى رغما عنى أتذكر تلك الليلة المشئومة التى عدت فيها إلى البيت نفسه لأصطدم بخبر وفاة أخى الأكبر وأجتر المآسى التى حلت به، وهتفت هتافا صامتا، آن الأوان يا بيتنا العزيز لأن تسطع فيك الأنوار، وترن الضحكات بعد زمن من المرارة والأحزان، وجمعتنا جلسة رائعة التف فيها الأولاد حولنا، وكانت بصحبتنا خالتى الوحيدة، وجاءت جلستى فى مواجهتها، فرحت اتفرس فى ملامحها باحثا فى رحاب وجهها عن وجه أمى الحبيبة، ومن وسط الزحام والأصوات الصاخبة أتانى صوت أحلام، وهى تضحك من قلبها فخيل الىّ أنه صوت أمى، فلقد أثرت السعادة الطاغية على مداركى فاختلطت المشاهد أمام عينىّ، لكن ما كنت متيقنا منه فى تلك اللحظة الرائعة هو أن أرواح أحبائنا الذين تركونا ورحلوا عن الحياة تطل علينا الآن من عليائها لتشاركنا أفراح جمعنا الذى اكتمل، وجرحنا الذى اندمل، وأن المعانى والقيم الجميلة الرفيعة التى ربانا عليها أبوانا مازالت موجودة، وأن المشاعر الدافئة التى ظننت فى غمرة أحزانى أنها ذهبت ولن تعود أبداً، قد عادت إلينا من جديد، عادت أجمل وأقوى مما كانت عليه، فلقد أعادت أحلام إلى جو أسرتنا الدفء والحب والحميمية بعد عهد طويل من الفرقة والشقاق والخصام والأحزان، وهاهى تجسد أمامى صورة والدتنا الراحلة بحنانها وطيبتها ووداعتها، وتعيد على مسامعنا المشتاقة مسيرة الحب والتضحية ونكران الذات والوفاء الجميل، لتؤكد لى أنها ظل أمنا الراحلة على الأرض، وليتعلم كل فرد من أسرتنا درسا جديدا فحواه أن دنيانا عذبة وجميلة، وتستحق أن نحياها بحلوها ومرها، وألا نفقد الأمل فى غد أجمل وأكثر إشراقا.
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
لم تشغلك أنت ولا أختك أحلام مصالحكما الشخصية الضيقة، وآثرتما عليها علاقتكما بأشقائكما وأفراد عائلتكم، وهو المنهج الذى رباكم أبواكم عليه، فنشرتما التعاون وحققتما التكامل مع أعضاء البيت الكبير، والحقيقة أنك اخترت الطريق الصحيح منذ البداية برابطة المحبة والاخلاص والتضحية تجاه أشقائك وأبنائهم فزرعت الحب فى نفوس الجميع، وكان طبيعيا والحال كذلك أن يأتيك جزاؤك العادل وتعود علاقتك بأخيك الأصغر وزوجته إلى ما كانت عليه قبل تفجر الخلافات بينها وبين زوجتك، فالخلافات أمر طبيعى وتنشأ عادة من تباين وجهات النظر، لكن يجب ألا تصل إلى حد القطيعة، وهو ما أيقن به أخوك الأصغر على يد أختكما الفاضلة، وهكذا اخترتم الأفضل، وحزتم خير الدنيا بالعلاقة الطيبة الصالحة وخير الآخرة برضا الله عز وجل، والعاقل هو الذى يخبر الدنيا ويختبرها مصداقا للقول المأثور «مثل الدنيا كماء البحر، كلما شرب منه العطشان، ازداد عطشا حتى يقتله، ويقول عنها الشاعر:
هى الدنيا تقول بملء فيها... حذار حذار من بطشى وفتكى
ومادام الإيثار هو ديدنكم ، فلقد كان الأحرى بأخيك الأصغر أن يتفاهم مع زوجته ويتعرف منها على أسباب الخلافات التى نشبت بينها وبين زوجتك، وأن يتحدث معك بشأنها، وان تبادر أنت أيضا بوضع حد لشقاقهما منذ البداية، عن طريق التعامل الايجابى بينكما وتذكر ما ساقه الله، على لسان موسى عليه السلام فى قوله «واجعل لى وزيرا من أهلى، هارون أخى»، فالروح المتسمة بالحكمة هى صميم الدين، وأحسب أنك بما ورد فى رسالتك تتمتع بالهدوء والبصيرة، وتظللكم جميعا مظلة الحب التى أرسى قواعدها أبواكم رحمهما الله، والدليل على ذلك أن أختك استطاعت أن تضمد الجراح، وأن تقنع أخاك بالمجىء معها إلى بيتك لإزالة ما علق بثوب علاقتكم البيضاء من شوائب، والاعتذار لزوجتك، وهو موقف يحسب له بكل تأكيد.
وإنى أتأمل شجرة الحب والإخاء التى تجمع أولادكم، وقد التفوا حولكم، وعلت وجوههم الابتسامة التى تصنع المعجزات، وهى درس كبير لنا جميعا، فعلاقة المودة، وإدخال السرور والبهجة على الآخرين صدقة يحبها الله، وإن خير الصدقة هو ما كان على الأهل، وإن خيرية المرء مرهونة بخيريته لأهله، كما قال رسول الله «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» وإن إعطاء أخوتنا قدرا من المسئولية والصبر على أخطائهم مع تقويمها برفق وتؤدة وروية، خير وأبقى من البت والقطع، وإن الخلافات المستمرة والشكاوى الدائمة تفسد كل علاقة, وتجهز على كل محاولة إصلاح وبناء، فالتربص والترقب والتعقب ليست من ديدن من يريد الاصلاح ما استطاع إليه سبيلا، بل إنها من قبيل الفوضى الذاتية التى تهدم وتخرب كل مسببات النجاح المأمول، فلنعلم أخوتنا وأبناءنا خلق الأنبياء، ونصبر عليهم حتى يفتح الله قلوبهم.
إن رابطة الاخوة بين الأبناء تقوم على أسس العلاقة النسبية والعقيدية، والعيش فى ظل الأبوين ببيت واحد، ولذلك هى علاقة متينة، ويعد تعميقها وترسيخها دليلا من الأشقاء على تفهمهم معنى الأخوة، ورقى وضعهم الأخلاقى، ولذلك من الضرورى أن تواصلوا سعيكم، وأن تتكاتفوا وتكونوا معا يدا بيد حتى تصلوا إلى بر «الأمان الأخوى»، فرغم أن الاخوة فى الأسرة متفاوتون فى السن والجنس «ذكورا وإناثا» وفى المستوى الثقافى والفكرى والتعليمى، والنواحى النفسية والميول والمؤهلات الذاتية، فإن حياتهم تحت سقف واحد، وفى ظلال أسرة واحدة تتطلب منهم أن يكونوا منسجمين، ويتحقق الانسجام فى الحب والإيثار والتحية والهدية والاحترام المتبادل والتعاون، وتناول الطعام فى مآدب مشتركة كلما سنحت الفرصة لذلك، والتفاهم من خلال الأحاديث الودية والعفو عند وقوع مشكلات بينهم فالتسامح والسيطرة عند الغضب، وكظم الغيظ صفات تؤكد سلامة النفس من الحقد والروح العدوانية، ولقد امتدح القرآن الكريم الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، واعتبر ذلك إحسانا منهم وعطفا على الآخرين. فقال تعالى «الذين ينفقون فى السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين»، كما أن الهدايا بين أفراد العائلة تجلب المحبة، وتوطد العلاقة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا»، وأتذكر قول أحد السلف رحمهم الله عندما سئل أيهما أحب إليك.. صديقك أم أخوك ؟.. فأجاب: إنما أحب أخى لأنه صديقى !
وسوف تتحقق أحلام بيتكم القديم تباعا بعد إزالة حالة الجفاء والخصام التى إعترت علاقة أسرتك بأسرة أخيك الأصغر، فالأخوة غير معصومين من الزلل، ويتعرض كل منهم للخطأ، ويقع فى الخلل وتصدر منه الهفوة، وقد يرتكب أخطاء كبيرة، فإذا بدر من أحدهم شىء من ذلك، فليزم الباقون جانب العفو معه، فإن العفو من شيم المحسنين، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وقبول عذره إذا أخطأ، فلقد فعل اخوة يوسف عليه السلام معه ما فعلوا، وعندما اعتذروا، قبل عذرهم، وصفح عنهم، ولم يوبخهم، بل دعا الله لهم بالمغفرة، فقال تعالى فى كتابه الكريم على لسان يوسف «قال لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين»، وعليكم ياسيدى أيضا المداومة على التزاور، وصلة ارحامكم، حتى لو قاطع أحدكم آخر، إذ يجب أن يكون الأخ جواد النفس, كريم العطاء مع أخيه لقوله عز وجل : «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله, إن الله بكل شىء عليم»، والحمد لله أن عادت الأمور بينك وبين شقيقك الأصغر إلى ماكانت عليه، ولتتعلم زوجاتكما العفو والصفح، فهما من الوصايا الإلهية مصداقا لقوله تعالى «فاصفح الصفح الجميل»، و«ليعفوا وليصفحوا»، فما أفضلها من وصية تذيب الخلافات وتقرب القلوب، وترسم الطريق نحو السعادة.
وأرجو أن تنفض عنك غبار الحزن الذى نهى عنه الله فى قوله تعالى «ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»، وكان من دعاء رسول الله «اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن, فاسعد باخوتك ياسيدى، وبارك الله فيكم، وسدد خطاكم على طريق السعادة وراحة البال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.