دفعت الانترنت بمصطلح طريف أصبح شديد التداول ألا وهو »صحافة المواطن«. فقد مكّنت الشبكات الرقمية كل فرد أو مواطن من امتلاك صحيفته الخاصة.. ولكن هل صحيح أن الصحافة يمكن أن تصنع بهذه الطريقة؟؟ وهل كل من يملك تقنية تمكنّه من النشر والتواصل مع الجمهور يمكن أن يطلق عليه »صحفي«؟ ظهر رأي يقول إنه يكفي أن نعلم الناس كيف يستعملون الكمبيوتر، ويجوبون عالم الانترنت وسيصنعون لأنفسهم صفحة أو صفحات ويملأونها بالرسوم والصور وأشرطة الفيديو، وهكذا يصبح لكل شخص صحيفته الخاصة التي يمكن أن تحمل اسم صحيفة »المواطن«. ما أشبه هذه التجربة بتجربة »البلوجر« بكل ما تحمله من مغزي وكل ما تتركه من آثار اجتماعية وإعلامية. ولكن هناك اختلافين جوهريين بين الصحيفة الورقية والبلوجر. الاختلاف الأول: أن الصحف الورقية تصل إلي الجمهور من خلال التوزيع، بل تسعي إليه، ولا يحدث ذلك مع »البلوجر« إلا عندما يصنع الموقع نسخة مقروءة عن الصفحة الاليكترونية ثم يرسلها لك بعد أن تتصل أنت أولاً لطلبها، علي عكس الحال مع الصحف الورقية. والاختلاف الثاني: أن الصحف الورقية تصدر مرة واحدة طوال اليوم ولا يمكن تحديثها بعد صدور طبعاتها المقررة - بينما لا ينطبق هذا علي البلوجر التي تصدر وتُحَدّث طوال اليوم. ومن اللافت للانتباه أن »البلوج سفير« أقوي تأثيراً من مكوناته المفردة، بمعني أن اجتماع المدونات الاليكترونية يترك أثراً إعلامياً أقوي مما يظهر من تجميع أثر كل بلوج علي حدة. ولنا أن نتساءل من يستطيع أن يقول ببساطة إن كل »بلوج« صحيفة؟ أو أن كل بلوجر صحفي؟ فهل كل من يستطيع الكتابة صحفي؟ وهل تصبح القدرة علي الكتابة علي صفحة اليكترونية صحافة؟ تحاول هذه الأسئلة الإشارة إلي مدي صعوبة تعريف الصحافة الاليكترونية. فكلمة الصحافة وكلمة الاليكترونية كلمتان متنافرتان، حيث تصف الأولي وسيلة إعلامية لطالما ارتبطت بالطباعة الورقية، بينما تتحدث الثانية عن وسيط »ميديا« اكتسب أهمية خاصة بعد انتشار الكمبيوتر. ولكن ما العلاقة بين الكلمتين؟ إنها الانترنت والشبكات الرقمية العالمية التي لولاها لما وجدت هذه الصحافة. ليس من خلاف علي أن الصحف الورقية التي توضع علي الشبكات الرقمية هي صحافة اليكترونية، مع استدراك أن الصحافة الاليكترونية ليست مجرد عرض للصحف الورقية في الوسيط الرقمي. فإذا وضعت صحيفة نفسها علي الورق وأضافت إلي ما تعرضه مواد مرئية ومسموعة.. هل يكفيها ذلك للقول أنها تمارس صحافة اليكترونية؟ إذن نعود إلي الوسيط الاليكتروني وشبكاته، لا تكفي الشبكات أن تكون وصفاً للصحافة الاليكترونية، لكنها تصلح أن تكون مدخلاً لها. فتلك الشبكات تكتظ بالمواد التي تؤدي وظائف إعلامية، فأيها ينطبق عليه وصف الصحافة الاليكترونية؟ وهل يجب أن تحتفظ الصحافة بمواصفاتها التي تراكمت عبر مئات السنين عند انتقالها إلي الشبكات الرقمية؟ هناك نقاش وحراك هائلان متصلان بالصحافة الاليكترونية، لكنهما يغيبان عن الصحافة التليفزيونية. ويأتي وصف الصحافة التليفزيونية من الوسيط الإعلامي، وهي تسير علي خطي الصحافة الورقية وتشبهها كثيراً بحيث يصلح الوسيط لوصف الفارق بين صحافتي الورق والتليفزيون مثلاً لأن كلتا الصحافتين تحتاج إلي مؤسسات لصنعها. وهناك من يسير في اتجاه معاكس، فثمة مؤسسات تقلد »شكل الصحف« في الأبواب ونوعية الكتابة وطرق العمل وتضع محتواها علي الانترنت بدون أن تمتلك صحيفة ورقية، ويقال عن ذلك أنها صحافة اليكترونية. وهناك حدود أخري في هذه اللعبة التي لا تكف عن التحرك مع ظاهرة التلاقي الرقمي والأمر مختلف أيضاً إذا تقاطع معهما التلفزة ووسائلها مع الاتصالات، حقاً إن الصحافة الاليكترونية تغير جلدها كالحرباء.