مئات السنين عاشها اليهود في مختلف انحاء العالم شرقاً وغرباً فشلت خلالها كل محاولات استيعابهم او دمجهم مع بقية مواطني هذه المجتمعات .. السبب في ذلك لا يرجع كما يزعم اليهود الي معاداة السامية التي جعلت الآخرين يمتنعون عن الاختلاط باليهود أو الامتزاج بهم. فالحقيقة أن اليهود كانوا دائما ومازالوا يتمسكون بتمييز أنفسهم عن بقية البشر التزاماً بمفاهيم عنصرية عفا عليها الزمن أو حرصاً علي ما يسمونه " نقاء العنصر اليهودي". وفي إطار هذا المفهوم العنصري الضيق، عاش اليهود في تجمعات مغلقة "الجيتو" ورفضوا بكل عناد الحياة كمواطنين عاديين في الدول التي ولدوا وعاشوا فيها. وربما كان هذا هو السبب في الشكوك التي أحاطت بهم بل وكراهية بعض الشعوب الاوروبية لهم والتي تجسدت في السياسات والممارسات النازية ضدهم.وبعد اغتصاب فلسطين وإقامة دولة إسرائيل علي أنقاضها عام 1948 هاجر إليها فقراء اليهود من مختلف بلدان العالم بينما بقي أثرياؤهم ليس حباً وانتماءََ لهذه البلدان بل بهدف استنزاف ثرواتها لدعم الدولة الصهيونية الجديدة بالمال والسلاح والنفوذ. هنا، تجسدت ظاهرة ازدواج الولاء التي تفرض اولوية الولاء لإسرائيل علي أي يهوي قبل الولاء لبلده الاصلية. واوضح مثال علي ذلك قضية اليهودي الامريكي جوناثان بولارد الذي تجسس علي بلاده لحساب إسرائيل، وبعد أن ثبتت إدانته وحكم عليه بالسجن قرر الكنيست الإسرائيلي منحه الجنسية الإسرائيلية ومازالت اسرائيل تطالب بإطلاق سراحه لدرجة أن نتنياهو طلب ذلك مؤخراً من الرئيس الامريكي اوباما مقابل تعاون إسرائيل في عملية السلام مع الفلسطينيين! وخلال الستينات من القرن الماضي، اقترح الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة حلاً للصراع العربي الإسرائيلي يتمثل في فتح الحدود والتزاوج بين العرب والإسرائيليين حتي يتم استيعابهم وامتزاجهم في البحر العربي المحيط بهم. في ذلك الحين، تعرض بورقيبة لانتقادات شرسة حيث اتهمه الكثيرون من العرب بالاستسلام وتصفية القضية الفلسطينية ولكن الحقيقة التي لم يلتفت إليها أحد في ذلك الحين أن إسرائيل كانت وستظل مجرد جيتو يهودي كبير في المنطقة العربية وان اساس ايديولوجية الدولة اليهودية عنصري ويرفض أي امتزاج او تعايش مع غير اليهود الذين يصفهم التلمود "بالاغيار" بصرف النظر عن جنسيتهم أو ديانتهم. والتعديلات التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية لقانون الجنسية قبل أيام خير دليل علي ذلك. هذه التعديلات التي تستهدف تأكيد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل تفرض علي كل من يطلب جنسيتها أن يعترف أولا بيهوديتها وأن يقسم علي الولاء لها. ولاشك أن أحد أهداف هذه التعديلات هو طرد عرب فلسطين ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي أراضيهم، كما أشار البعض إلي أن هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من هذه الخطوة هو تشتيت الاهتمام العربي والدولي بعيداً عن خطته لإجهاض وتدمير عملية السلام الحالية وتكثيف مخطط الاستيطان في الأراضي المحتلة. وفي كل الأحوال، تبقي الحقيقة التي عبر عنها اسحق هرتزوج وزير الشئون الاجتماعية الاسرائيلي عن حزب العمل بقوله إن قانون المواطنة الاسرائيلي الجديد هو خطوة أخري نحو الفاشية في اسرائيل التي ستدفع ثمناً فادحاً لهذا الاتجاه العنصري البغيض.