سمىر عبدالقادر قال هج ويلز الكاتب الإنجليزي في مؤلفه الشهير »تاريخ العالم«، أن العالم الآن أصبح مجنونا تالف الأعصاب، وأنه في أشد الحاجة إلي أن نعيد إليه عقله وهدوء أعصابه، وتعجب كيف أننا ننعت بالجنون كل إنسان يأتي بتصرفات فيها خطورة علي نفسه، ثم نري عالمنا يأتي هذه التصرفات التي تهدده بالهلاك، ثم لا نتهمه بالجنون؟.. فالمشاهد أن العالم كلما زاد قوة، زاد ضعفا! وكلما اتسع علمه ونمت تجربته ساء تصرفه.. استطاع الإنسان ان يعمر الأرض، وتقدم العلم فأصبح أداة هائلة طيعة في يده، وتفتقت الأذهان عن مذاهب سياسية واقتصادية واجتماعية مشرقة، فكانت النتيجة أن إزداد الإنسان ضعفا وسوء تصرف.. ألا يكفي دليلا علي سوء تصرفه أنه مازال مهددا في بعض أنحاء الأرض بالاستبداد، والظلم، والفقر.. أو بها جميعا؟! قد يتساءل البعض: وما معني سوء التصرف؟.. وما التصرفات الخطرة التي يرتكبها العالم.. فنضرب له مثلا بالاستعمار، وما الاستعمار؟.. هو أن تحل واحدة من الدول مشاكلها وتحقق رخاءها علي حساب دولة أخري فانجلترا لكي تزدهر صناعتها وتحصل علي خامات رخيصة عملت قرونا علي تأخر مصر والهند وسائر مستعمراتها، وفرنسا لكي تحظي بالثراء المسلوب في السلم، والجنود المسخرين في الحرب، تضطهد شعوب افريقيا الشمالية وتسلبها حريتها، وايطاليا لكي تحل مشاكل زيادة سكانها تريد العودة إلي ليبيا وسائر مستعمراتها. هذا نموذج من التصرفات الخطرة علي العالم، فالساسة الاستعماريون لم يتعلموا بعد أن العالم لم تعد فيه مشاكل منفصلة، بل مشكلة واحدة، وأن الدولة الغنية المترفة علي حساب الغير لا يمكن أن تأمن اليوم جانب هذا الغير أو تطمئن إلي خضوعه وضعفه ورضاه، فهي إذن تبني سعادتها وترفها علي أساس منهار، أو علي أساس من البارود الذي قد ينفجر في أي وقت. وقد تنبه ويلز إلي كل هذا، وهو يوشك ان يودع العالم، فكتب يخاطب بني قومه، ويقول: »لا يجب أن يأسف القارئ الانجليزي علي زوال السيطرة الانجليزية القديمة علي مصائر الشعوب، فنحن الانجليز يجب أن نعرف أن عصر دزرائيلي وكيلنج قد زال، وأن هدف الإنسانية اليوم هو تحقيق المساواة والتعاون بين العالم أجمع، فعلينا أن نعود أنفسنا اختيارا أو اضطرارا علي الحياة في عالم من الديموقراطية والإخاء، والا تعرضنا لما هو أسوأ من ذلك بكثير. ولكن الفلاسفة الطيبين تعودوا أن لا يعتنق الساسة آراءهم، إلا إذا اضطرتهم الأحداث.. وقد اثبتت لنا الأممالمتحدة -وهي من العالم بمثابة العقل من الجسم- ان ويلز لم يكن متجنيا حين وصف العالم بالجنون وتلف الأعصاب، فقد رأي قبل رحيله روسيا وأمريكا تتعنتان وترفضان وضع الذرة تحت رقابة دولية نزيهة، وانجلترا وفرنسا وايطاليا تحاول وتداور للظفر بالسيطرة علي ليبيا وغيرها، وهولندا وهي تماطل في اعطاء اندونيسيا استقلالها.. وكثير مما نراه نحن اليوم من تدخلات من جانب القوي الاستعمارية في شئون الدول الأخري. فمتي نراهم يفقهون ويعودون إلي عقولهم؟!