اشد ما يحتاجه الفرقاء من مختلف القوي والتوجهات السياسية المصرية الآن ليس هو مجرد ادراك خطورة ما تواجهه البلاد وتقديم التنازلات المتبادلة من اجل المصالح العليا للامة وتكوين جوقة مشتركة يردد افرادها بحماس الاناشيد الوطنية في حب مصر. فالسياسة بطبيعتها ليست مدينة فاضلة بقدر ما هي ساحة للصراع بين مختلف التيارات التي يسعي كل منها لكشف نقاط ضعف الآخر والتفوق عليه بشتي الوسائل. في الدول المتحضرة، يجري هذا الصراع بالطرق المشروعة ووفقا لمباديء لا يمكن الحياد عنها او انتهاكها .. اما في الدول المتخلفة فالصراع السياسي غالباً بلا حدود او ضوابط. والهدف الوحيد لكل طرف هو سحق الآخر والانتصار عليه مهما كانت الاسلحة قذرة والوسائل منحطة. لذلك فما تحتاجه القوي السياسية المصرية الآن ليس هو تبادل الاحضان وتبويس اللحي بينما يخفي كل طرف خنجره وراء ظهره. المطلوب هو مجرد الاتفاق علي قواعد اللعبة السياسية بحيث يمارس كل طرف الصراع كما يشاء ولكن وفقا لهذه القواعد وفي اطار الشرعية التي يحترمها الجميع وبعد ذلك فليكن اي طرف هو الفائز وهنيئا له بالنصر مادام قد احرزه وفقا لقواعد اللعبة وبعيدا عن اساليب الضرب تحت الحزام ، ومنها تبادل الاتهامات بالخيانة والتخريب والعمالة . وبمعني آخر، يجب ان تتفق جميع الاطراف علي ممارسة لعبة السياسة بقواعدها الشريفة والمشروعة وألا يصبح اي طرف كمن يلعب الشطرنج بقوانين المصارعة الحرة. والحقيقة ان جميع الاطراف السياسية ارتكبت هذا الخطأ بشكل او بآخر في الفترة التي اعقبت ثورة 25 يناير وحتي الآن. فالحكومة لجأت احياناً الي استغلال ميزة تواجدها في السلطة لكي تمرر القوانين والقرارات التي يرفضها المجتمع واستغلت سيطرتها علي مواقع ومؤسسات القوة المادية في البلاد لكي تقيد معارضيها وتضيق عليهم وتدعم موقعها في الصراع السياسي. اما المعارضة فقد خرجت كثيرا عن النص، اذا كان هناك نص أصلاً ، ووصلت الي حد الدعوة لهدم المعبد علي رءوس الجميع من خلال التحريض علي العنف والاعتراف بالحجارة والخرطوش والمولوتوف كأدوات في لعبة السياسة وعرقلة كل خطوات الحكومة سواء كانت في الاتجاه الخطأ او الصحيح!! وجاءت دعوة بعض قوي المعارضة لنزول الجيش الي الشوارع وتوليه السلطة، رغم معارضتها لما يسمي بحكم العسكر، لكي تؤكد ان قضيتها ليست هي الحرية بل اسقاط النظام حتي ولو كان الثمن هو الديمقراطية التي دفع الشعب المصري آلاف الشهداء والمصابين ثمنا لها في ثورته ضد الديكتاتورية والاستبداد. إن المشاعر المتبادلة بين النظام والمعارضة في أي دولة لا يمكن ان تكون هي الوئام والثقة والعشق وإلا لاندمج الجميع في تيار واحد وانتهت القضية. قدر الطرفين هو الصراع ولكن بشكل متحضر ووفقا لمباديء وقواعد شريفة وليس علي طريقة صراعات الرعاع والبلطجية .. قديما، كان نبلاء القرون الوسطي يتبارزون بالسيف ولكن تحكمهم أسس واخلاق تجعل هذه المبارزة نموذجا انسانيا راقيا للتنافس الشريف. والتاريخ يؤكد المشاعر السلبية المتبادلة بين الحكومة والمعارضة في كل مكان. فذات يوم، كان الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل يتحدث في مجلس العموم عندما قاطعته زعيمة المعارضة "ليدي اليستر" بقولها "لو كنت زوجي لوضعت لك السم في القهوة" .. واستشاط تشرشل غضبا فرد عليها قائلا " والله لو كنت زوجك لاشتريت هذا السم عن طيب خاطر حتي اتخلص من وجهك". هكذا ، لم يأمر تشرشل باعتقال زعيمة المعارضة أو اتهامها بالسب والقذف ، فقط رد عليها بكلماتها وانتهي الموقف علي ذلك مع كل الاحترام لقواعد اللعبة السياسية. أما في الولاياتالمتحدة، فقد حاول الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون التنصت علي مقر الحزب الديمقراطي المعارض في انتهاك واضح لقواعد لعبة السياسة في امريكا وكان الثمن هو استقالته فيما عرف بفضيحة »ووترجيت«. تصارعوا أيها السادة كما شئتم .. تطلعوا الي السلطة .. انتقدوا خصومكم السياسيين..برهنوا علي فشل برامجهم وسياساتهم، ولكن في كل الاحوال، تذكروا جيدا ان اللعبة يجب ان تكون لها قواعد وان الخروج علي هذه القواعد خطر كبير يهدد الجميع.