فاز عالمان بريطانيان بجائزة نوبل في الفيزياء لتجاربهما المتعلقة بمادة كربونية قد تحدث انقلابا في مجال الإلكترونيات ، العالمان هما الهولندي أندرية جيم »15 عاما« والبريطاني قنسطنطين نوفوسيلوف »63 عاما« ، ونتائج تجاربهما لا تعنيني بشكل مباشر لأنني لست من المهتمين بالفيزياء ، ولكن أثار انتباهي أن أحدهما عمره 63 عاما فقط .. ورغم صغر سنه فإن نوفوسيلوف يدخل التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره عالماً استحق الفوز بجائزة نوبل . إنجاز نوفوسيلوف استدعي هذا السؤال : متي يظهر في مصر علماء تتاح لهم فرصة البحث وإجراء التجارب داخل المؤسسات العلمية في بلدهم ، ثم يقدمون للعالم اختراعاً أو دواءً أو نظرية علمية جديدة يستحقون معها جائزة نوبل وهم في سن السادسة والثلاثين ؟ قد يرد أحدهم قائلا : هناك أحمد زويل الذي فاز بالجائزة بالفعل ، وهناك فاروق الباز ، ومجدي يعقوب ، ومئات غيرهم قدموا إسهامات جليلة في جميع مجالات العلوم ، ويحظون بكل التقدير حيث يعيشون هناك في دول الغرب . نعم. هذا صحيح .. ولكن هؤلاء لم يحققوا إنجازا علميا إلا بعد أن خرجوا من مصر ، ونفدوا بجلودهم من بيئة تعليمية وعلمية فاسدة ، وبيروقراطية ممقوتة لا تعترف بالنبوغ . وجامعات لا تري أن هناك ضرورة للانفاق ببذخ علي البحث العلمي . هؤلاء العلماء ، إذا لم يدفعهم حماسهم الشخصي إلي الإصرار علي تنمية نبوغهم العلمي خارج مصر ، لكانوا الآن تائهين وسط 58 مليون مصري . زويل مدرس لغة عربية . وفاروق الباز ناظر مدرسة ثانوية زراعية ، ومجدي يعقوب مدير أحد مستشفيات وزارة الصحة .. هذا في أحسن الأحوال ! مصري آخر نفد بجلده مثل هؤلاء النوابغ ، ففي الأسبوع الماضي قرأت تصريحا لعالم مصري جاء مبعوثا إلي الوطن من وكالة الفضاء الأمريكية »ناسا« لبحث أسباب نضوب المياه في الصحراء الغربية وبحر الرمال ومنطقة العوينات ، وذلك في إطار الأبحاث التي تجريها الوكالة للتوصل إلي أسباب نضوب المياه علي كوكب المريخ . أسعدني بزوغ هذا النجم المصري وسط صفوة علماء »ناسا« وسعيت إلي معرفة المزيد عنه خاصة أنه يرأس اثنين من أهم مراكز الوكالة وهما مركز التصوير الراداري ، ومركز تدريب رواد الفضاء .. ومايزال عمره 63 عاما فقط ! عصام حجي تخرج في قسم الفلك بكلية علوم الإسكندرية ، ثم تقدم لخطبة الفتاة التي أحبها ، ولكن والدها رفضه قائلا إنه لن يجازف بتزويج ابنته لمسحراتي ! وظل عصام يبحث عن عمل دون جدوي . وأخيرا استقر في محل لبيع البراويز ثم انتقل إلي محل لبيع الورود ، وكاد الإحباط يقتله لأن في رأسه أفكاراً علمية تريد الخروج إلي الواقع . علم عصام بالصدفة ان المركز الثقافي الفرنسي يقدم منحة لدراسة الكمبيوتر بباريس فتقدم بأوراقه واجتاز دورة التأهل وسافر .. وهناك تفجر نبوغه المكبوت وحصل علي الماجستير ، ثم الدكتوراه في »أسباب نضوب المياه علي سطح المريخ« .. واشمعني المريخ ؟ لأنه أقرب في طبيعة تكوينه إلي الأرض .. وبذلك يمكن التوصل يوما إلي تجنب نضوب المياه علي الأرض . باريس منحته الجنسية ومنصبا رفيعا في وكالة الفضاء الفرنسية ، ثم عرضت عليه »ناسا« الانتقال إليها فوافق مشكورا ، ومنحوه الجنسية الأمريكية . وهو يتنقل الآن بين فرنسا والولايات المتحدة .. وكلتاهما تستفيد من علمه الغزير كأحد أبرز العلماء في مجال تخصصه . والسؤال الآن : هل كان يمكن للشاب المصري عصام حجي أن يقطع هذا الشوط المهم من أبحاثه العلمية في سن 63 .. وهو داخل مصر ؟ طبعا لا .. ولا حتي في سن 631 !