لا تفشل الدول بين ليلة وضحاها.. ولكنها تمر بمراحل عدة تبدأ بالضعف Weak state ثم الهشاشة Fragile state لتنتهي بالدولة الفاشلة Failed state وعندها تكون مؤسسات الدولة قد أصابها التآكل بشكل يجعلها عاجزة عن القيام بوظائفها الأساسية تجاه المواطن كتوفير الأمن والرعاية الصحية والتعليم والادارة الحكيمة. الوصول لهذه المرحلة يمكن ان يكون نتيجة لانتشار الفساد بشكل تعجز الدولة عن مجابهته أو لوقوعها في براثن حرب أهلية أو خارجية، أو ربما لنزيف اقتصادي تعجز عن ايقافه كما يري موقع "جلوبال بوليسي فورم" الاليكتروني. لكن "مجلة الفورين بوليسي" تري انه بخلاف الأسباب العامة التي تؤدي الي سقوط الدولة هناك اسباب عشرة لانحدار الدولة نحو "الفشل".. وكل سبب مرتبط بنموذج من نماذج الدول الفاشلة أو التي في طريقها للفشل والتي أوردتها في قائمتها السنوية. السبب الأول انعدام النظام. وتضرب المجلة المثل بالصومال التي تصدرت قائمة الدول الفاشلة لخمس سنوات آخرها هذا العام. فعلي الرغم من ان الصومال لديها حكومة معترف بها دولياً، إلا ان هذه الحكومة بالكاد تمارس سلطاتها خارج حدود العاصمة، أو ربما حتي داخلها. وترجع الفورين بوليسي السبب في ذلك الي ان دولة الصومال، تاريخياً، قامت علي مجتمعات "عشائرية" متفرقة وبلا مركزية، يتم فيها اتخاذ القرارات بتوافق الذكور البالغين.ولم تتمكن أي عشيرة من خلق مجموعة من القوانين القومية الملزمة. السبب الثاني استئثار النخبة بخيرات البلاد، وضربت "الفورين بوليسي" المثل علي ذلك بمصر حيث سيطرت النخبة من آل مبارك وأتباعهم، علي مدار العقدين الأخيرين، علي الاقتصاد وكونوا احتكارات شكلت حاجزاً امام اقتحام اي عنصر أو شركة جديدة السوق. هذه النخبة بإحكامها لقبضتها علي الاقتصاد حققت ارباحاً خيالية للنظام، ولكنها حرمت ملايين المصريين من الخروج من دائرة الفقر. السبب الثالث حرمان المواطن من حق "الامتلاك" والمثال علي ذلك نجده واضحاً في كوريا الشمالية فكل شيء مملوك للدولة سواء رأس المال أو الأرض، حتي الزراعة هناك تكون من خلال مزارع عامة للدولة. ويعمل المواطنون هناك من أجل الحزب الحاكم وليس من أجل أنفسهم مما تسبب في تخلف نمو كوريا الشمالية بالمقارنة بالشقيقة كوريا الجنوبية. السبب الرابع لتفرقة علي أي أساس وهذا هو أحد أهم أسباب فشل نظام جنوب افريقيا العنصري السابق. فمنذ عام 1904 ظلت كل الوظائف والاعمال الاحترافية مقصورة علي الاوروبيين وذوي البشرة البيضاء، وبحلول عام 1926 انتشر هذا "الحاجز اللوني" في كل أوجه الاقتصاد مما حرم المواطن الاسود من اي فرصة لاظهار مواهبه ومهاراته، وذلك حتي عام 1980. واقتصر عملهم علي الأعمال التي لا تحتاج لمهارات خاصة في مجالات التعدين والزراعة وبأجور منخفضة. السبب الخامس الاستغلال السياسي، ففي بوليفيا مثلاً وبعد تاريخ طويل من الفساد قامت الثورة البوليفية عام 1952 ضد النخبة من ملاك الأراضي والمناجم. وقاد هذه الثورة مجموعة من أهل الحضر الذين حرموا من حقوقهم في ظل النظام السابق. وبمجرد استحواذهم علي السلطة، قاموا بمصادرة غالبية الأراضي والمناجم وقاموا بإنشاء حزب سياسي هو " حركة الثوريين القوميين". وسرعان ما بدأت بوادر "عدم المساواة" في الظهور لتسيطر بعدها الحركة علي كل مقاليد السلطة وتقر مبدأ حكم الحزب الواحد. السبب السادس الصراع علي الغنيمة.. وهو أهم أسباب فشل دولة سيراليون فقد أدي توالي الانقلابات في التسعينيات إلي ضعف السلطة المركزية ونشوء جريمة منظمة لتهريب الماس الخام الذي تشتهر به الدولة من مناجمه بأسعار منخفضة لشركات الماس الدولية. وأشعل تزايد الجريمة المنظمة حرباً أهلية استمرت من 1991 حتي 2002 و كان هدف الحرب السيطرة علي مناجم الماس. السبب السابع ضعف الحكومة المركزية، وذلك كما هو الحال في كولومبيا التي تري "الفورين بولسي" أن حكوماتها فاقدة للسيطرة علي أكثر من نصف البلاد، مما جعل كولومبيا واحدة من أكثر دول العالم خطورة من الناحية الأمنية. السبب الثامن "السخرة".. وتري المجلة ان السخرة أو اجبار الناس علي العمل دون إرادتهم أحد أهم الاسباب التي تعوق التقدم والنمو وتصل بالبلاد للتأخر والسقوط في دائرة الفشل.. كما هو الحال في أوزبكستان التي تخلو المدارس فيها من الطلبة في موسم حصاد القطن حيث يتم إجبارهم علي جمع القطن بينما يتحول المدرسون الي مراقبي أنفار.. والمستفيد الأول من هذا النظام هو الرئيس اسلام كريموف وتابعوه الذين يتحكمون في انتاج القطن ومبيعاته. والخاسر كل المجتمع الأوزبكستاني الذي فشل حتي الآن في الخروج من دائرة الفقر. السبب التاسع بحسب المجلة هو سوء الخدمات العامة ودللت عليه بالوضع في بيرو التي أدي افتقادها للخدمات العامة كرصف الطرق واستخدام الادوات الحديثة في الزراعة وغيرها الي دخولها نادي الدول الفاشلة. السبب العاشر حجب النخبة للتكنولوجيا الحديثة وضربت المجلة المثل عليه بالنمسا في القرن التاسع عشر عندما رفض الامبراطور فرانسيس الاول إدخال السكة الحديدية لبلاده خوفاً من انتقال عدوي ثورة التحرير الفرنسية اليه.