خلال زيارته الاخيرة لبرلين، التقي جون كيري وزيرخارجية الولاياتالمتحدة بمجموعة من الطلبة الألمان وتحدث معهم عن الديمقراطية الأمريكية وكيف تحترم حرية الفكر والتعبير والاعتقاد دون اي تفرقة أو تمييز. وفي نهايةحديثه، حاول كيري أن يلخص لمستمعيه مفهوم الديمقراطية الأمريكية في عبارة واحدة بقوله"في امريكا من حقك أن تكون غبياً أحمقَ دون أن يحاول أحد إجبارك علي الحكمة أو دفعك نحو ما يعتقد أنه الصواب.. الشرط الوحيد هو ألا تمس معتقداتك وأفكارك، مهما كانت حقوق الآخرين وحرياتهم. بهذه العبارة البسيطة، حدد كيري المعني الحقيقي للديمقراطية ليس في امريكا فقط وإنما في كل مكان يسعي لترسيخ الحريات وحماية حقوق الانسان بما في ذلك حقه في الحماقة والغباء. والدليل علي ذلك، أن كل الطغاة عبر مراحل التاريخ المختلفة كانوا يتوهمون أن العناية الالهية أرسلتهم لكي يعلموا شعوبهم معاني المجد والكرامة ويرشدونهم الي الصواب والحقيقة التي يجهلونها. في هذا المطار، كان الزعيم النازي أدولف هتلر يؤكد أنه يسعي للوصول بمواطنيه الي مرتبة الانسان الكامل أو السوبرمان لذلك كان يقوم بإعدام المعوقين وضحايا الأمراض العقلية وكان يري أن مفاهيم النازية هي الحقيقة الوحيدة التي يتعين الايمان بها والالتزام بتعاليمها تحت شعار خادع هو ألمانيا فوق الجميع، اما اي اعتقاد أو فكر آخر فهو هراء لا يستحق مجرد النظر اليه!!! وكان الديكتاتور الألماني يري أنه الوحيد الذي يستطيع تحويل ألمانيا والجنس الآري الأبيض إلي أمة من العظماء، بشرط أن يسير الشعب كله وراء أفكاره العبقرية وينفذ تعليماته الملهمة. لذلك كان هتلر يردد دائماً ان مشكلتة الاساسية هي أن سنوات عمره المحدودة، مهما طالت، لن تكفي لتحقيق كل طموحاته وأحلامه لألمانيا علي أساس أن أي زعيم أو مواطن آخر لن يصل الي مستوي حكمته! هذه باختصارهي مشكلة كل الطغاة الذين يتوهمون أنهم وحدهم يحتكرون الصواب و يصرون علي تحويل شعوبهم الي مواطنين صالحين وحكماء من وجهة نظرهم وبالتالي يقمعون أي معتقدات أو أفكار تختلف عما يرونه أو حتي يتوهمونه. وخلال الثورة الثقافية التي قادها الزعيم الصيني ماوتسي يونج كان ينظر الي المنشقين والمعارضين باعتبارهم من ناقصي الوعي أو الفهم ولذلك كان يتم ارسالهم الي ما كان يعرف باسم "معسكرات إعادة التثقيف "حيث كانوايخضعون لعمليات غسيل مخ بهدف اعادة تشكيل معتقداتهم وأفكارهم وفقاً لأيديولوجيات النظام. و في أماكن مختلفة من العالم، كان يتم ايداع المعارضين في مستشفيات الأمراض العقلية لمجرد اختلاف معتقداتهم وأفكارهم عن تلك التي يؤمن بها الطغاة ويرونها العنوان الوحيد للحقيقة. وفي روسيا القيصرية كان يتم الرجوع للقيصر نيقولا الثاني لأخذ رأيه في مختلف القضايا والمسائل لدرجة أن المهندس المسئول عن انشاء خط السكك الحديدية في روسيا سأل القيصر عن أفضل مسافة بين القضيبين اللذين يسير عليهما القطار. وكان القيصر مخموراً في تلك اللحظة ففرد ذراعيه، وفهم المهندس الرد وكانت المسافة بين القضيبين في روسيا ومازالت حتي الآن أطول منها في أي بلد آخر لسبب بسيط أن ذراع القيصر لابد ان يكون أطول ورؤيته هي الأصح!!! وأثبتت التجارب عبر مختلف مراحل التاريخ أن الديكتاتور يرفض مجرد مناقشة الأفكار التي تختلف عن قناعاته ويتعامل معها باعتبارها إما مؤامرة شريرة ضده أو تعبيراً عن حماقة خصومه وغباء معارضيه الذين عجزوا عن استيعاب قيمة معتقداته وعبقرية أفكاره وسياساته. هذا الموقف المريض من جانب زعماء الاستبداد كان لابد وأن تواجهه الديمقراطية بحل نهائي يتجاوز رفض الطاغية احترام معتقدات و أفكار الآخر.. الحل ببساطة كان هو الدعوة الي احترام حق الانسان في الغباء حتي تغلق الباب أمام محاولات الطغاة تسفيه الرأي الآخر وحرمان مواطنيهم من حرية التعبير و الفكر و المعتقد.