كثيرون في بلادنا يعتقدون أن الديمقراطية هي أن يقول المرء ما يشاء ويفعل ما يشاء .. وان الحرية مجرد تعبير مهذب عن الفوضي .. والثورة ليست أكثر من هوجة تسمح للفرد أن يدوس بحذائه علي كل القوانين والأعراف والتقاليد .. هذه المفاهيم الخاطئة هي المسئولة عن الحالة الغريبة التي تعيشها مصر الآن .. البعض يري أن الثورة تعطيه الحق في إغلاق الشوارع وقطع الطرقات ومنع وسائل النقل العام و الخاص من الحركة وحرمان المواطنين من الخدمات الأساسية مثل العلاج والأمن ، ووصلت الأمور الي حد التهديد بقطع التيار الكهربائي و إغراق مصر في حالة من الظلام بعد أن غرقت بالفعل في بحر من القمامة !! كل هذه الجرائم ترتكب الآن تحت شعارات لاغبار عليها مثل المطالب الفئوية والحق في العمل و المسكن أو حتي مقابلة مسئول ما للدخول معه في حوار حول هذه المطالب. لهذا السبب، قال المفكر الدكتور جلال أمين إننا كمصريين لا نفهم الديمقراطية .. فهي ليست مجرد حوار أو قبول لجميع الأراء ، حتي ولو كانت ضد الديمقراطية ذاتها .. الديمقراطية الحقيقية تعني الحسم واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب حتي بدون حوار أحياناً . ووسط هذا المناخ الضبابي حول مفهوم الديمقراطية إنتهزت بعض القوي الفاشية والعنصرية المتطرفة الفرصة لتستغل الديمقراطية كحصان طروادة الذي تقتحم به الحياة السياسية وتصل الي السلطة ثم تعلن بعد ذلك موقفها الحقيقي المناهض للحرية والديمقراطية .. كثير من هذه القوي الظلامية شّكلت أحزاباً سياسية مشروعة نتيجة سيادة تلك المفاهيم المغلوطة عن الديمقراطية.. ودروس التاريخ عديدة حول النتائج الكارثية التي تحدث عندما يسيء البعض فهم واستغلال المناخ الليبرالي والحريات التي توفرها مرحلة ما بعد سقوط الديكتاتوريات وانهيار أنظمة القمع والاستبداد. أشهر هذه الأمثلة ما شهدته ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولي . ففي مستهل القرن العشرين وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب ، ظهرت قوة سياسية معادية للديمقراطية أطلقت علي نفسها اسم »الحزب القومي الاشتراكي الألماني« عقيدتها الأساسية هي الديكتاتورية و الاستبداد المطلق والتفرقة العنصرية والطائفية والعرقية والدينية. ووصلت الأمور الي حد ايمان النازيين بضرورة إبادة كل اليهود والشيوعيين والغجر والمرضي النفسيين والمعوقين وحتي قصار القامة !! أدرك النازيون أن الوسيلة الوحيدة للوصول الي السلطة هي الديمقراطية التي يرفضونها، ورغم ذلك قرروا الاستفادة منها وبعد ذلك يدمرون الديمقراطية تدميراً. وفي عام 1919 إنضم أدولف هتلر للحزب النازي وتولي قيادته عام 1921 وخاض الحزب النازي انتخابات ديسمبر 1929 بقيادة الديكتاتور هتلر .. وفاز النازيون بهذه الانتخابات ووصلوا بالفعل الي السلطة عام 1933 ليتولي الطاغية هتلر قيادة المانيا ويعلن الحرب العالمية الثانية ويشهد العالم كله واحدة من أسوأ فتراته المظلمة. . هكذا، وصل هتلر الي السلطة بالانتخابات الديمقراطية ولكنه كان ينظر اليها علي أنها حصان طروادة الذي يتيح له فقط الوصول الي مقعد الحكم وممارسة أسوأ أشكال الاستبداد والقهر التي أدت في النهاية الي تدمير ألمانيا التي كان هتلر يصفها بأنها فوق الجميع. إنه أحد دروس التاريخ التي ينساها الكثيرون في مصر اليوم وهم يتعاملون مع الديمقراطية علي أنها مجرد حصان طروادة جديد!!