د. عمرو خالد مصر دولة عريقة سبقت الكثير من دول العالم في مجالات عديدة من مجالات مختلفة مثل الانتاج والسياسة والاقتصاد والفكر والثقافة، فمثلا كان أول دستور مصري سنة 1882 وكان افتتاح اول برلمان مصري في 25 نوفمبر 1866 وكان البرلمان الاول علي مستوي العالم العربي والشرق الأوسط وإفريقيا . كما ان سكك حديد مصر تعد هي أول خطوط سكك حديد يتم انشاؤها في أفريقيا" أفريقيا الشرق الأوسط" والشرق الأوسط، والثانية علي مستوي العالم بعد المملكة المتحدة" المملكة المتحدة، حيث بدأ انشاؤها في خمسينيات" القرن التاسع عشر حيث تمتد عبر محافظات مصر من شمالها إلي جنوبها. واول أبطال الاوليمبياد في الشرق الاوسط وافريقيا كانوا مصريين حيث كانت مصر صاحبة أول مشاركة عربية في الألعاب الاولمبية في 1912" دورة ستوكهولم 1912 أيضا كانت مصر سباقة منذ القرن الثامن عشر في جهود وأنشطة العمل التطوعي والمجتمعي، كما ان مصر كانت من اوائل الشعوب العربية والافريقية التي تحول فيها المجتمع المدني لخدمة الوطن وخدمة الجيران من البلدان العربية واغاثتها كما كان المجتمع المدني المصري وجهود الشباب المتطوعين موجهة ايضا في الاساس لخدمة بلادهم. كان هذا الوعي قديم وكانت ثقافة العمل التطوعي محفورة في وجدان المصريين منذ مئات السنين، وكان العمل التطوعي في مصر جزء من من تركيبة المجتمع المصري في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وكان هذا مستمدا من قيم الاسلام والمسيحية علي السواء وكلاهما يدعو الي الايجابية وفعل الخير وحب الجار يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (77) سورة الحج وكانت قيم الايمان راسخة في قلوب المصريين وهي الدافع الاول والاكبر نحو حب العمل التطوعي، لكن العمل التطوعي حدثت له انتكاسة كبيرة في ال 30 سنة الاخيرة قبل الثورة ولم يرد النظام السابق ان يعطي الفرصة لتكبير دور المجتمع المدني بل عمل علي تهميشه وتحجيمه لأسباب مختلفة منها خوف النظام السابق من ظهور قيادات مجتمعية تخطف منه الاضواء (كما كان يظن) أو لشعور النظام السابق بالضعف والخوف بأن يصبح المجتمع المدني أقوي منه أو لشعور النظام السابق بفشله في ميادين عديدة فكان يخاف ان ينجح المجتمع المدني في احد هذه الميادين فيكون هذا دليل دامغ علي فشل النظام. وبدلا من ان يستوعب النظام السابق طاقات الشباب المصري الضخمة وبدلا من ان يتشارك مع طاقات الخير الممزوجة بالايمان التي تملأ صدور العاملين في حقل العمل التطوعي ... تصادم معهم وابعد من ابعد وحاصر من حاصر فكانت النتيجة انهيار النظام السابق وزواله بقيام ثورة 25 يناير العظيمة. ومنذ انهيار النظام السابق وانتصار الثورة فتحت كل الابواب التي كانت مغلقة أمام المجتمع المدني وارتفع سقف الحرية للعمل التطوعي لينطلق الي الافاق وليرتفع السقف الي السماء وهذا بلا شك من وجهة نظري يعد من اعظم انجازات 25 يناير التي أتاحت الفرصة بقوة للمجتمع المدني ليفجر طاقات الخير ويحدث انجازات لن تستطيع الحكومة وحدها مهما بلغت من قوة ان تحققها. كنت أصرخ قبل الثورة وأنا مستبعد خارج مصر وكنت انادي في كل فرصة وفي وسائل الاعلام وكنت أقول بالحرف ازيلوا المعوقات من وجه الشباب المصري لأن الشباب يستطيع احداث انجازات فوق قدراتنا علي التخيل لو اتيحت له الفرصة والامكانيات. لم يكن كلامي كلاما فقط بل أردت تحويله الي حقيقة فكان مشروع صناع الحياة ومنه انطلقت حملة حماية سنة 2008 لمواجهة المخدرات والتي نجحت نجاحا مبهرا ثم كان مشروع انسان الذي وضع فكرته ونفذه شباب صناع الحياة وانطلق سنة 2009 لمساعدة الأسر الفقيرة من خلال انشاء مشروعات صغيرة لهذه الاسر وبدأ النجاح بالفعل ثم تم ايقاف المشروع في ذلك الوقت لاسباب يعلمها الجميع. نحن الان في مرحلة جديدة والامل كبير في ان يساهم المجتمع المدني ويضع يده في يد الدولة لا لينافسها بل ليبني معها مستقبل مصر فكلاهما يحتاج الي الاخر وبهما تنجح اهداف النهضة في مصر. السؤال الان ما هو الامل المنشود من المجتمع المدني والعمل التطوعي في مصر في العشر سنوات القادمة ؟ انا اتمني ان نضع هدفا كبيرا الا وهو ان يكون حجم المجتمع المدني في العمل التطوعي 10 أضعاف ما هو عليه الان وان يركز بقوة علي اولويات احتياجات مصر في السنوات العشر القادمة ولابد أيضا من توحيد الجهود. ولقد نشأت أفكار بناءة لتوحيد جهود العمل التطوعي في مصر فنشأت مؤسسة اسمها (تروس) لتجمع جهود المؤسسات الكبري العاملة في مجال العمل التطوعي في مصر والتنسيق بينهم، كما ان (مؤسسة صناع الحياة) صارت تقوم بمشروعات تنموية ضخمة مثل مشروع محو الامية الذي يساهم الان في محو أمية 120 ألف أمي في مختلف محافظات مصر وغيرذلك من جهود جمعيات تعمل بشكل مؤسسي عملاقة مثل (جمعية رسالة ومصر الخير وبنك الطعام وبنك العمل). أنا لدي حلم أن يصبح المجتمع المدني 10 أضعاف ما هو عليه فكل الجهود الحالية رغم تميزها فانها لا تكفي لان مصر تحتاج المزيد من جهود ابنائها المخلصين.. انني أوجه دعوة من خلال هذه المقالة الي شباب مصر ان يعملوا معنا بقوة في زيادة عمل الخير والتنمية التي نقوم به سواء مع صناع الحياة أو غيرها كما اني اركز علي البنات لأن المرأة في العالم العربي (مارد) تم حبسه طويلا بعيدا عن الاستخدام الفعال في التنمية مع انها اذا أتيحت لها الفرصة ستحدث نتائج عظيمة...أرجوكم ساهموا في تكبير المجتمع المدني في مصر.