الثلاثاء الماضي الحزين ودعت مصر ابنا بارا من أبنائها المخلصين، بدأ حياته وختمها في هدوء، فلم يكن يعرف للضجيج سبيلا.. لقد رحل الفنان الخلوق سيد عبد الفتاح فجأة دون أن يمهله القدر أو يمنحه فرصة لوداع أهله وأصدقائه وأحبائه. ما أوحشك يا موت، وما أصعبك يا رحيل، وما أقساك يا وداع.. إنها الدنيا، يقدم الإنسان إليها باكيا، ويغادرها تاركا لأحبائه البكاء، وماذا هم يجنون من بكائهم وانتحابهم؟.. إنها الدنيا، سعي وصراع، وهم وشقاء، وخيرنا من يدرك حقيقتها، ويعمل لحياته الآخرة، فهي البقاء. لم يكن سيد عبد الفتاح مفتونا بهذه الدنيا، أو متكالبا عليها، وكان مؤمنا بأن رزقه آت، ولن يحرمه أو يمنعه عنه أحد، فإيمانه بتلك الحقيقة ملأ قلبه طمأنينة جعلته وديعا، هادئا تملأه السكينة. وهب الله سيد عبد الفتاح موهبة فنية ميزته عن الكثير من أبناء جيله، لم يزاحمه فيها أحد، ورغم ذلك لم يتسلل لجنباته الغرور، فقد كان طموحا، يدرك أنه مازال لديه الكثير الذي يتطلب منه الاجتهاد والمثابرة حتي يؤتي بما في جعبته من فن حباه الله إياه، فعاش مدركا أن مايحتويه من فن يلزمه الكثير من التواضع حتي يتمكن من الإبداع، فكان. عاش سيد عبد الفتاح فنانا جميلا، يعزف نغمات فنه بريشته التي عشقها عشق المحب فأحبته، حتي طاوعته، وزادته إبداعا وتألقا ليكون أعظم فنان للبورتيريه في مصر، مما مكنه من مزاحمة فنانينا العظام أمثال بيكار ومصطفي حسين أمد الله في عمره وأنعم عليه بالصحة والعافية الذي كان يسعد دائما به ويشجعه ولا يبخل عليه بنصائحه الفنية، وهذا شأن الفنان الكبير مصطفي حسين مع كل الفنانين عامة. لم يكن سيد عبد الفتاح عابر طريق في حياة كل من عرفوه، بل كان حريصا علي غرس شجرة حب في قلوب من يلقاهم ويتعرف إليهم، حتي ولو كان لقاء صدفة جمعته بهم الأقدار دون سابق موعد.. لقد كان مجاملا، تقوده دماثة خلقه لعدم إحراج من يقتحمه، حتي ولو كان وقته لا يسمح له بذلك، فكان هذا سر هروبه إلي مرسمه في منزله حيث يتمكن من الإبداع واتمام مهام عمله علي وجهها الأكمل. أغدا ألقاك يا فنان.. فمهما طالت الأعمار، ومهما تباعدت الأيام فاللقاء قريب، ولا يمكننا أن نقول لك وداعا، بل نقول لك إلي لقاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.