في بدايات السبعينيات من القرن الماضي عندما كنت في الثامنة من العمر كان مصروفي اليومي عشرة قروش.. ومازلت أذكر جدتي وهي توبخ أمي -رحمهما الله- قائلة: »بقي مفعوص زي ده ياخد ثلاثة جنيه في الشهر ليه هيعمل بيهم ايه؟!«..وقد كانت جدتي محقة فيما تقوله.. لانني كنت بين أصدقائي ثريا بالعشرة قروش اليومية التي تزيد عن احتياجاتي بكثير.. بل انني كنت أقوم بإقراض بعض الأصدقاء بضعة قروش تزيد علي ما انفقه! لا تستغرب عزيزي القارئ قبل ان أقول لك ماذا كان يفعل لي مبلغ العشرة قروش في عام 3791.. ولاحظ انني لا أتكلم عن العشرينيات أو الثلاثينيات ولا حتي الخمسينيات في القرن الماضي! كانت زجاجة المياه الغازية ثمنها قرشين ونصفا »خمسة تعريفة«.. وباكو البسكويت لا يزيد بأي حال من الأحوال عن قرش صاغ.. وباكو البونبون »وكنا نطلق عليها أرواح« بخمسة تعريفة.. وفي حالات التباهي والتفاخر بين اقراني ولإثبات ثرائي الفاحش كنت استبدل زجاجة المياه الغازية بعلبة »كانز« مستوردة ثمنها خمسة قروش دفعة واحدة وهو سفه لم اكرره كثيرا.. أي ان مجموع ما كنت انفقه أيامها ما بين ثلاثة قروش وستة قروش ونصف يوميا والباقي كان من نصيب اقراني واصدقائي! أما باقي السلع فقد كانت اسعارها مذهلة حقا فمثلا: الدجاجة ب03 قرشا.. كيلو اللحم ب76 قرشا.. وعندما هبت انتفاضة يناير 7791 ضد غلاء الأسعار كان الهتاف الشهير جدا وقتها »سيد بيه كيلو اللحمة بقي بجنيه وجوز الجزمة بخمسة جنيه!!« وكانوا يقصدون سيد مرعي المقرب من الرئيس السادات بالطبع.. واليوم.. وبعد 04 عاما فان كل هذه الأسعار تضاعفت 00001٪ »عشرة آلاف في المائة« بالتمام والكمال فالدجاجة أصبحت ب03 جنيها وكيلو اللحم وصل إلي 76 جنيها.. بينما لم يتضاعف دخل المواطن العادي »الموظف« سوي ما يقرب من 005٪ علي أحسن الأحوال..والسؤال ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة وخاصة بعد زيادة الأسعار المرتقبة بأوامر صندوق النقد الدولي بعد القرض الذي سيمنحه لمصر؟ لقد استمعت إلي تعهد الرئيس مرسي في حوار تليفزيوني بأن هذا القرض لو أضر بالمواطن الغلبان وتسبب في زيادة الأسعار فسيرفضه علي الفور. وأنا رغم اني لست خبيرا اقتصاديا إلا انني أوكد ان هذا القرض سيكون سببا في عذاب المصريين الذين هبوا بثورة ضد الظلم والفقر والمهانة.. فيا خبراء الاقتصاد راجعوا أنفسكم ولا تزيفوا علينا الحقائق بأن الجنيه المصري قوي وسليم وانتم أول من تعلمون انه مات وشبع موتا.. فكفي هتافكم المضحك »عاش الجنيه الفقيد«!