بعد غياب 4 سنوات عن الساحة المسرحية عاد المخرج الكبير جلال الشرقاوي ليعيد الحياة إلي مسرحه مرة أخري مسرح الفن مؤكدا انه يمتلك إرادة حديدية لا تعرف الانكسار أو الاستسلام في مواجهة العواصف والتحديات بعد أن تجمعت ضده كل قوي الشر والطغيان وأرادت اغتياله فنيا لاسكات صوت الثورة في عروضه المثيرة التي تميزت بالنقد الجريء و الساخر من اوضاعنا الاجتماعية المتردية طوال سنوات الحكم السابق الفاسد. في البداية يقول المخرج الكبير جلال الشرقاوي انه منذ 2008 وهو يعاني من قرارات تعسفية بحجة أن مسرحه يهدد أمن وسلامة منطقة الاسعاف وشارع الجلاء لأنه غير مهتم بتوافر الحماية المدنية رغم عدم صحة هذه الافتراءات ولكنه قرر تفنيد كل الادعاءات بتنفيذ ما تطلبه منه الجهات الادارية ووزارة الثقافة وعهد إلي كبري الشركات المتخصصة في تطوير وتحديث وصيانة دور العرض المسرحي وأنفق كل مدخراته وأقترض بضمان ممتلكاته وممتلكات أسرته فدفع 4 ملايين جنيه لإنشاء حجرة إطفاء مزودة بمعدات مستوردة من أمريكا وأقام شبكة كهرباء متطورة وأعادة تصميم صالة العرض المسرحي وزود خشبة المسرح بكل التقنيات الفنية الحديثة ووضع اجهزة انذار وقام بإنشاء حجرات للممثلين واستراحات وغرف للماكياج وشيد دورات مياه تحترم أدمية المترددين علي المسرح ثم أقام فوق سطح مسرحه محطة لتخزين 40 طن مياه في خزانات لمواجهة أية أخطار للحرائق أو غيرها من الاشياء الاخري التي تهدد أمن وسلامة الناس. ويضيف جلال الشرقاوي انه ظل طوال السنوات الاربع الماضية ينتظر الفرج من عند الله لإنقاذ مصر من حالة الانهيار التي بدأت تأكل ارادة الناس وتنهب كل مقدراتهم وتبتلع ثرواتهم وتحتكر لنفسها كل مظاهر الحياة الكريمة وتغتال أحلام البسطاء في الحصول علي لقمة العيش علاوة علي تفشي الفساد في كل مؤسسات الدولة والتخطيط لتنفيذ مخطط التوريث والقضاء علي الحياة الديمقراطية وتحويل البلد إلي عزبة تدار بنظام الشللية حتي جاءت إرادة الله وأزاح الغمة بقيام ثورة 25 يناير المجيدة لتبدأ مصر عصرا جديدا شعاره عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. الإنطلاق من جديد ويؤكد جلال الشرقاوي انه اتخذ من الثورة وميدان التحرير قاعدة لانطلاق حياته من جديد فقرر فتح أبواب مسرحه وتحدي كل الاخطار ومواجهة الصعاب بتقديم عرض مسرحي يعيد الحياة للحركة المسرحية ويستأنف من خلاله عروض مسرحه السياسي ويناقش القضايا الساخنة المثيرة التي تشغل بال الرأي العام خاصة بعد أن بدأت مصر تتحرك نحو بناء عصر النهضة وتشيد الدولة الحديثة القوية القائمة علي التعددية الحزبية والتيارات المختلفة وتذكرت كيف وقف الله سبحانه وتعالي إلي جواري في محنتي واعتبرت مسرحي رئة للحياة السياسية يمتلكها كل صاحب رأي حر. وتمضي فترة صمت يقول بعدها جلال الشرقاوي: قرأت أكثر من 20 فكرة مسرحية وأخيرا عثرت علي الفكرة التي كتبها المؤلف صلاح متولي وفيها ما أبحث عنه من قضايا اجتماعية ساخنة وكانت تلك البداية الاولي مع »الكوتش« حيث يحمل العرض العديد من الرموز السياسية ويضع كل النقط فوق الحروف المهمة في حركة بناء الأمة التي أصبحت محط انظار العالم المتحضر. العدالة الاجتماعية ويعتدل جلال الشرقاوي في جلسته وهو يقول: مسرحية »الكوتش« تتحدث عن العدالة الاجتماعية من خلال قصة فريق يلعب كرة القدم ويمتلك مدربه طموح الفوز ببطولة كأس مصر ولكن تواجهه فرق أخري تسرق طموحاته باحتكار البطولات بالسلطة والنفوذ والمال والاساليب غير الرياضية وهو الأمر الذي جعل اللعبة كلها محصورة في ناد واحد بيده المنح والمنع ولا أحد يشعر بنشوة الانتصارات سواه. ويعلو صوت جلال الشرقاوي وهو يردد: من هنا كان لابد من فتح ملف قواعد وأصول اللعبة في الحياة السياسية التي أعتبرها البعض اشبه بفريق لكرة القدم يلعب بمفرده في الملعب حيث يحتكر السلطة ويسخر كل شييء لصالحه ويغتال حق اللاعبين في الثروة والنجومية وممارسة حياة الاضواء والانتصار في مواجهة كل عوامل القهر والظلم والاستبداد مستخدما كل أدوات الاسقاط والرموز التي يتميز بها المسرح السياسي الذي يكون دائما معبرا عن ضمير أمته. العرض 37 ويري جلال الشرقاوي أنه نجح في عرض »الكوتش« أن يصل إلي الرقم 73 في سلسلة عروض المسرح السياسي التي قدمتها خلال السنوات الماضية وأثارت الدنيا ضده مثل »دستور يا أسيادنا« و» علي الرصيف« وغيرها من الاعمال الجادة التي أعتبرها النظام السابق تمثل منشورا سياسيا ضد أساليبه في حكم البلاد. وعرض »الكوتش« شهد عودة جلال الشرقاوي للتمثيل إلي جانب الاخراج وتصميم الاضاءة حيث يظهر في مشهدين من بين عشرة مشاهد تدور من حولها الاحداث التي كتبها ببراعة صلاح متولي وجسدها بكل ثقة واقتدار النجوم طلعت زكريا وانتصار ووائل نور ورضا أدريس ولي لي قاسم والتونسية إيناس بن علي وهنادي والطفلة بسنت إلي جانب مجموعة كبيرة من طلبة قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية. ويجسد جلال الشرقاوي كممثل دور القاضي من خلال مشهدين يلعبان دورا مهما في البناء الدرامي للأحداث التي كتب اشعارها سيد لطفي ووضع تصميم استعراضاتها د.عاطف عوض بينما أعد لها الموسيقي والالحان الموسيقار د.جمال سلامة وصمم الملابس مروة عودة. والعمل الكوتش استغرق إعداده 6 شهور ولم تعترض الرقابة علي المصنفات الفنية علي كل ماجاء في العرض ولم توص بإجراء أية حذوفات بل أشادت به ووصفته بأنه جاد. أهلا بأسر الشهداء ومن ناحية اخري قرر جلال الشرقاوي فتح أبواب المسرح مجانا لأسر الشهداء وأهالي الثوار الذين تعرضوا لاصابات تسببت في إعاقة تحركاتهم إلي جانب تخفيض ثمن تذكرة المسرح حيث تبدأ من عشرين جنيها وتتدرج حتي مائة وخمسين جنيها لارضاء جميع الجمهور العاشق للمسرح وكمبادرة لاعادة فتح أبواب كل مسارح القطاع الخاص مرة أخري ولتشجيع الناس علي العودة لممارسة حقهم في الحياة والفرجة علي المتعة و الفن والفكر من خلال المدارس الفنية المختلفة التي تعبر بصدق عن كل اطياف المجتمع.