لم تفاجئني الفتوي التي صدرت في بيان من الأزهر الشريف بتحريم التربح من الدولار والمضاربة به. وأن ذلك سُحت.. إلخ.. ولكن للأسف، أن المرء يكتشف بسهولة أن هذه البيانات هي بيانات سياسية في صورة فتاوي دينية.. في رأيي كان لابد من الصمت حتي تنجلي الحقائق قبل إصدار فتاوي لا نتيجة لها. أدخل في موضوع الدولار.. الكل يعلم أن مصر دخلت في أزمة الدولار كما يقال بعد ثورة 25 يناير وتتم معايرة الشعب بذلك لإحباطه وإذلاله لأن قبل ثورة 25 يناير «المجرمة» كان الاحتياطي 36 أو37 مليار دولار. ولكن للأسف الثورة أضاعت هذا الاحتياطي. إنه خداع للشعب المسكين لكي ييأس من نفسه لأنه صدق يوما أن من الممكن أن يكون هناك مستقبل أفضل، وأن من الممكن أن يكون هناك توزيع عادل للثروة، وأن تتوقف عملية نهب وسرقة الوطن علنا.. الشعب رأي وسمع ذلك ولمس نتيجة ذلك طوال ثلاثين عاما. إذن ثورة 25 يناير هي السبب وبالتالي فالشعب الذي شارك فيها أو أيدها يجب أن يدفع الثمن غاليا. لم يجب أحد حتي الآن.. كيف فقدنا حوالي عشرين مليار دولار في عامين أو ثلاثة؟. لم يجرؤ أحد علي فتح هذا الموضوع. أجيب أنا من الصحف العديدة التي نشرت أثناء الثورة وفي الأسبوع الأول والثاني منها عن الطائرات الخاصة التي حملت الأموال سائلة لكبار رجال الأعمال علنا من صالة المطار التي أنشئت خصيصا لكبار رجال الأعمال لكي يدخلوا ويخرجوا دون أي تفتيش ولو شكليا. لقد تم نزح الأموال من البنك المركزي وباقي البنوك تحت سمع وبصر كل أجهزة الرقابة. تم تهريب عشرات المليارات في الأسابيع الأولي من الثورة. والوثائق موجودة ،لهذا بدأ الحديث فجأة عن ضياع الاحتياطي من النقد الأجنبي كأننا شعب من القطيع. حكم الإخوان أستمر عاما واحدا ولكن عملية النهب الشاملة بدأت بعد نجاح الثورة مباشرة ونحن الآن نري النتيجة. أين حسابات هذا الاحتياطي؟.. ولماذا لم يحاسب أحد عليها؟.. أما ما حدث بعد ذلك فهو طبيعي من تأثر السياحة مع العلم - وهذا يصدم الجميع- بأن دخل السياحة للخزانة المصرية من العملات الصعبة أقل من الذي يتم الترويج له لأن معظم العملة الصعبة تذهب للشركات وليس للدولة. ثم بعد ذلك حدث ارتباك في التصدير ولم يحدث أبدا أن توقف التصدير إلا بنسبة 5 % فقط. واتحدي كل الوزراء الذين تستروا علي ما يجري في الواقع لأن كلهم لهم مصالح خاصة، وسأصدم الرأي العام بأن عائد التصدير من العملة الصعبة رمزي ولا قيمة له اقتصاديا لأن الوزير محمد رشيد وهو صاحب عدد كبير من المصانع هو وأسرته قام بإصدار قرار من أخطر القرارات في تاريخ الاقتصاد المصري وهو إعفاء المصدرين من تحويل نسبة ال 25% من العملة الأجنبية التي يحصلون عليها من عائد التصدير إلي العملة المصرية تم إلغاء هذا القانون بعد تولي الوزارة مباشرة وبالتالي لم يعد هناك عائد فعلي للتصدير حتي الآن. وسنعلم حجم الكارثة لو اعتبرنا أن مصر كانت تصدر بقيمة 20 مليار دولار سنويا (حسب الإحصائيات المنشورة) فإن نسبة ال 25% تعني خمسة مليارات دولار سنويا حرمت منها مصر منذ عام 2005 تاريخ الكارثة التي سببها رشيد لوطنه. واستمر الوضع قائما إلي الآن.. إذن مصر خسرت في عشر سنوات ما يوازي خمسين مليار دولار حقا مستحقا من العملات الأجنبية استولي عليها المصدرون ظلما وعدوانا. وهذا اضطرني شخصيا لتقديم شكوي للنائب العام قبل الثورة ضد رشيد بهذه الحقائق منذ سنوات ولم يتم التحقيق فيها. هذا واحد من أهم الأسباب، وفوق ذلك تقوم وزارة الصناعة حتي الآن في تواطؤ مع من يُطلق عليهم «رجال أعمال» ضد الشعب علنا بتقديم مساندة تصديرية بعدة مليارات من الجنيهات تذهب مباشرة إلي جيوب المصدرين مباشرة. بالإضافة إلي أرباحهم المؤكدة وهي عملية تجريف لاقتصاد مصر. إذن هناك أسباب أخري خطيرة نشعر بها تماما في إدارة أموال هذه الأمة التي حرمت من حقها علي يد الفاسدين من كبار المسئولين ورجال الأعمال. نأتي لبيان الأزهر وأنا أتعامل معه سياسيا فهو ضد الواقع وأن البيع والشراء عموما ينبع من الحاجة وارتفاع سعر الدولار يرجع إلي الحاجة إليه. وفي نفس الوقت هناك عجز في توفيره بالصورة المطلوبة في التوقيت المطلوب. سعر الدولار لا يمكن تثبيته لأنه ليس سلعة تموينية. وهناك جهابذة من كبار الاقتصاديين الذين دمروا اقتصاد مصر عمدا يقرون الآن أن أهم سبب في أزمة الدولار هو أن الشعب المصري «المسكين» أصبح يتعامل مع الدولار كسلعة ولم يجيبوا علي أهم سؤال وهو: من الذي فرض ذلك؟. السُحت ليس في التجارة ولكن في تعطيش السوق من الدولار عمدا ليحققوا مكاسب رخيصة أكبر وهو مسئولية تحالف كبار رجال الأعمال وكبار المسئولين وأجهزة الرقابة تعرفهم بالاسم. إذن الإدانة أولا لمن اتخذوا القرارات المدمرة لاقتصاد مصر وهم يعلمون. كاتب المقال: عضو اتحاد كتاب