سمىر عبدالقادر سوء الإدارة الحكومية عندنا يعترف به الجميع، الوزير والنائب والموظف الكبير والصغير، والجمهور طبعا، ومع ذلك فلا أحد يحاول الوقوف ضد التيار، بل الكل يساهمون من حيث لا يدرون في اطراد هذا الفساد، ومازالت أهم مميزات الإدارة الحكومية العجز والفوضي والاسراف وعدم تحديد المسئولية وهذا يؤدي إلي جرائم التزوير والرشوة والاختلاس وغيرها. ومهمة إصلاح الإدارة الحكومية مهمة ثقيلة ومعقدة ولذلك فنحن لا نجد من يجسر علي حملها إذ تنقصنا الجرأة والقدرة والايمان بضرورة الاصلاح، كلنا نبكي علي فساد الادارة، ولكن لا أحد يتقدم للعمل الجدي، ونحن هنا لا نريد أن نضيف دمعة إلي الدموع التي ذرفت، ولكننا سنبدأ بعرض الخطوط العامة للإصلاح.. وأول سؤال يمكن طرحه هو: علي أي أساس تعمل الإدارة عندنا؟ علي مجموعة هائلة لا حصر لها من التعليمات والمنشورات واللوائح والقرارات منها ما مضي عليه اكثر من نصف قرن، ومنها ما هو متعارض ومتناقض ومنها ما لا قيمة قانونية له علي الاطلاق ومع ذلك فهو مطبق. فلماذا لا نضع دستورا للإدارة يلغي كل ما سبقه من نشرات ولوائح، ويحكم كل ما يصدر بعده منها، بحيث اذا تعارضت نشرة أو لائحة معه تكون ملغاة تماما، كالقانون الذي يتعارض مع الدستور، وتستطيع الحكومة ان تشكل لجنة من بعض رجال الهيئة التشريعية والادارة والقضاء مثلا تشرف علي وضع هذا الدستور الذي يجب ان يحدد بشكل نهائي وواضح سلطات الوزراء ووكلاء الوزارة ورؤساء المصالح والادارات، وأن يطبق مبدأ اللامركزية بشكل واسع، ويعمل علي تبسيط الاجراءات الروتينية وإنقاذها من التوقيعات الكثيرة ويتولي توزيع الموظفين توزيعا يتناسب مع حالة العمل، ويضع نظاما ثابتا لتعيين الموظفين وترقيتهم ونقلهم وعقابهم. ومن الأمور المألوفة في إدارتنا الحكومية تنازع الاختصاص علي بعض المسائل، و »زحلقة« الأوراق أمر يتقنه موظفو الحكومة بصفة عامة، و السبب في هذا عدم وجود الاختصاصات وعدم تجميعها كلها في يد واحدة، ولا في يد الوزير نفسه، فوظيفة الوزير سياسية، وليس من عمله ان يضيع الوقت في ترقيات الموظفين انما المفروض فيه ان يهتم بالسياسة العامة لوزارته. وإذا استطعنا في المرحلة القادمة الاهتمام بوضع دستور للإدارة، فإن كابوسا مزعجا سوف نتخلص منه، هذا الكابوس هو الروتين الذي يتسبب في تعطيل الاوراق شهورا وسنوات وما يترتب عليه من ضحايا، فلكي تتخذ الحكومة قرارا لابد أن يمر علي عشرات الجهات حتي يصل إلي الناس، مما جعل الجميع يقولون »يوم الحكومة بسنة«!