منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل ما يقرب من سبعين عاما، كانت سياسته تجاه المنطقة تعتمد مبادئ أساسية وضعها قادته بزعامة بن جوريون، وسار حكام الكيان الصهيوني علي نهجها. أول هذه المبادئ التي قادت الدولة الصهيونية أن مصر هي القوة الأساسية التي ينبغي للكيان الصهيوني أن يعمل حسابا لها في السلم والحرب. ويذكر هنا رد بن جوريون عندما قيل له أن مصر بعد ثورة يوليو سوف تركز علي بناء اقتصادها وتنمية مواردها وتعويض شعبها عن سنوات الحرمان والاستغلال. يومها قال بن جوريون: إن هذا أسوأ خبر سمعه في حياته. وأن علي الكيان الصهيوني أن يحاول بكل الطرق عرقلة مشروع عبدالناصر لبناء مصر!! مبدأ ثان لا يتغير في سياسة الكيان الصهيوني. وهو أن تحارب بكل الوسائل أي محاولة للتعاون العربي المشترك، وأن تستغل القوي الكبري الداعمة لها في تحقيق هذا الهدف.. خاصة بعد «درس أكتوبر العظيم» الذي شاركت فيه الدول العربية إلي جانب مصر وسوريا، وتم استخدام سلاح البترول العربي لأول و آخر مرة في تحقيق النصر، وأيضا بعد الدرس المؤلم الذي رأيناه بعد تدمير أمريكا للعراق ليمتد التخريب والدمار إلي سائر أنحاء العالم العربي، وتنمو عصابات الارهاب، ويعيش الكيان الصهيوني أزهي فترات وجوده بفضل التآمر علي العرب، وبفضل أعداء الدين والوطن الذين وعدوا الناس كذبا بأنهم «علي القدس رايحين.. شهداء بالملايين» فوجدناهم مع أحزمتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة في قلب العواصم العربية ثم بجوار قبر سيد البشر وخاتم المرسلين. مبدأ ثالث يحكم سياسة الكيان الصهيوني منذ نشأته، وهو استغلال دعم القوي الكبري التي ساندته علي حساب الفلسطينيين والعرب ، لكي يقوم بتطويق العالم العربي بالتحالف مع القوي الاقليمية غير العربية. واذا كانت الاضواء تسلط دائما علي علاقة الكيان الصهيوني بكل من ايران وتركيا اللتين كانتا من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني، والتي لم تنقطع علاقتهما به رغم تغير الظروف والحكام!! إلا أن المحاولة التي لا تقل خطورة كانت مع اثيوبيا منذ عهد هيلاسلاس وحتي الآن. وهي المحاولة التي رافقتها جهود الأختراق الصهيوني لدول افريقيا ، خاصة دول حوض النيل، والتي تمتعت بدعم أمريكا ودول الاستعمار القديم التي لم تنس دور مصر في عهد جمال عبدالناصر لدعم حركات التحرر الوطني الإفريقية. وهو الدور الذي مازال يمثل الرصيد الأكبر لمصر والعرب في القارة السمراء. زيارة نتنياهو الأخيرة لدول حوض النيل تأتي في هذا السياق وقبلها تأتي المصالحة بين الكيان الصهيوني وتركيا بعد فترة «خصام الحبايب» الذي لم تنقطع فيه العلاقات الاساسية وخاصة في المجال الاستخباراتي والتعاون العسكري!! وما يهمنا هنا ان تكون هناك رسالتان مصريتان رسميتان تفهمهما كل الاطراف وعلي رأسها الكيان الصهيوني. الأولي أن مصر لن تسمح بالمساس بحقوقها التاريخية في مياه النيل. والثانية ان علي الكيان الصهيوني ان يبتعد عن العبث في هذا الملف. وأن يدرك أن ثمن أي تصرف معاد لمصالح مصر في هذه القضية المصيرية سيكون فادحا!! ثم يبقي أن نستعد لكل الاحتمالات، وأن نسعي - في نفس الوقت - لتعويض ما يقرب من أربعين عاما من الغياب، وأن نستعيد دورنا كاملا في أفريقيا ، وفي العالم العربي.