الرحمة التي أطلبها في العنوان ليست رحمة بطلة مسلسل فوق مستوي الشبهات والتي جسدتها بصورة رائعة النجمة الكبيرة يسرا ولكن مضمون الشخصية هي ما أتكلم عنه فأنا أطلب الرحمة من مشاهد العنف والدماء التي حاصرتنا علي مدار الشهر الكريم..الرحمة من المخدرات والمشاهد المستفزة.. الرحمة من الألفاظ غيراللائقة والسباب التي لوثت اسماعنا. فالمسلسلات في العالم كله تزيد الإنتماء للوطن وتبرز القيم النبيلة وتحاول أن تحدث تغييرا إيجابيا في المجتمع إلا عندنا ففي السباق الرمضاني لهذا العام عشنا مسلسلات وبرامج كلها أمراض نفسية وعقد ومشاكل.. تزيدنا هما وغما وطاقة سلبية تدعو للتكاسل والاستسلام.. لم أجد مسلسلا واحدا يتحدث عن قيمة العمل والعطاء بطريقة درامية جذابة.. لم أجد مسلسلا واحدا يناقش ثورة 30 يونيو التي أنقذت مصر وأعادت الحياة للمصريين.. لم أجد مسلسلا واحدا يتحدث عن الإنجازات غير المسبوقة التي حدثت خلال عامين.. شيء واحد فقط ركز عليه المبدعون وكتاب السيناريو هو الأمراض النفسية والعقلية فيسرا مريضة نفسية في « فوق مستوي الشبهات « ترتكب أفظع الجرائم وابشعها وتضر بها أقرب المقربين منها ومسلسل «الخانكة»، لغادة عبد الرازق..تجسد فيه شخصية مريضة نفسية تعمل مدرّسة. تتطور الأمور حين تصطدم بأعداء يدخلونها إلي مستشفي الأمراض النفسية نيللي كريم، في مسلسل « سقوط حر «، هي الأخري سيدة مضطربة نفسياً، تحيلها المحكمة لمصحة عقب اتهامها بقتل زوجها وأختها. أيضا ليلي علوي في « هي ودافنشي» وهو لا يخلو أيضا من المرض النفسي فرغم أنه يحاول السخرية من السحر والشعوذة الا انه يجعل منهما شيئا عاديا في المجتمع يمكن أن يحدث بسهولة لينشر الجهل والاوهام بين المشاهدين. ويحيي الفخراني في مسلسل «ونوس» مريض نفسي يشعر بوجود شبح أو شيطان يلازمه ويجعله أسيرا لأفكاره ويصل به الأمر إلي تدمير أسرته وحياته. والمشكلة الحقيقية أن هذه النوعية من الدراما تحصل علي اهتمام كبير من المشاهدين نظراً لغموض المرض النفسي وأبعاده خصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تنظر للمريض النفسي نظرة حيرة وخوف. ولكن هذه الاعمال لها أبعاد سلبية خطيرة حيث يؤكد خبراء الطب النفسي أن هذه الاعمال تحتوي علي مشاهد قد تسبب الأذي النفسي للأطفال أو قد تكون غير مناسبة لعمرهم، وفي الدول المتقدمة لا يسمح بمشاهدة أعمال نفسية دون ارشاد عائلي. كما أن الأعمال الدرامية لا تلتزم بمعالجة أبعاد المرض النفسي بشكل علمي صحيح فتثير مفاهيم مغلوطة لدي الجمهور حول طبيعة كل مرض وأسبابه ومخاطره..والدليل أن وقائع تقليد الأعمال الدرامية التي تدعو وتحرض علي العنف والبلطجة، تتجسد أحداثها في الشارع المصري، فعلي غرار مسلسل الأسطورة، عندما انتقم محمد رمضان لزوجته من أحد جيرانها عندما سرب صورها وهي بقميص النوم، فقام بضربه في الشارع أمام الجيران وألبسه نفس قميص النوم الذي سربه.. تفاصيل ذلك تجسدت بنفس السيناريو والتفاصيل، حيث شهدت منطقة حلوان واقعة مماثلة، بعد أن تعرض مسجل خطر إلي ربة منزل ومعاكستها، فاستعان شقيقها بعدد من أصدقائه، وبدأوا تنفيذ أحداث المشهد الدرامي كما جاء في المسلسل، فجردوا المتهم من ملابسه في الشارع وأجبروه علي ارتداء «قميص نوم» وسط ذهول أهالي المنطقة.. وزفوه وهو يرتدي «قميص نوم». كما شهدت قرية الخواجات، التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، واقعة غريبة في نهار رمضان، بعدما أجبرت أفراد أسرة زوج ابنتهم علي ارتداء «قميص نوم»، وطافوا به شوارع القرية بالكامل. حتي البرامج لم تخل من عنف ودمار ويكفينا برنامج رامز جلال الذي يقوم علي استخدام النار وأساليب العنف والألفاظ غير اللائقة والسباب بما قد يؤدي إلي ترسيخ العنف بين المشاهدين وتقليد الأطفال لما يشاهدونه، وأتمني وقف بث مثل هذه البرامج خاصة أن هناك برنامجا كان يجسد نموذج محاكاة لفكر داعش العنيف، وبرامج أخري يستخدم فيها الأسود والحيوانات والضرب والذي يعد خطراً جسيماً علي المجتمع. هل هذا هو ما نتطلع إليه أعمالا درامية تؤثر سلبا علي المجتمع وتضيف نوعية جديدة من الجرائم التي لا يمكن أن نتخيل وجودها. كنا نتمني أن نخرج من رمضان هذا العام ونحن سعداء.. لدينا مثل أعلي وقدوة وطاقة إيجابية للعمل والبناء.. لكن مع الأسف خرجنا منه ونحن نعاني من الإحباط والإكتئاب ونحمل طاقة سلبية بلا حدود تنعكس علي سلوكيات المواطنين والأطفال.. يا كتاب المسلسلات والسيناريوهات يا أيها المبدعون والفنانون رحمة بنا.