قال رسول الحق محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام : « من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.» وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : « يارسول الله أهو الموت ؟ فكلّنا نكره الموت، قال : لا ياعائشة، ولكن المؤمن إذا حضر أجلُهُ بشَّرته الملائكة برحمة الله ورضوانه فيحبَ لقاء الله ويحبَ الله لقاءه، والكافرُ متي حضَرَ أجلُهُ، بُشّرَ بغضب الله وعقابه، فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه. « والمؤمن الحق هو ذلك الذي : يعمل لدار غدٍ رضوانُ خازِنها والجارُ أحمدُ والرحمنُ ناشيها قصورها ذهبٌ والمسِك طينتها والزعفرانُ حشيش نابت فيها.. وكم اسألُ الله جلَّ في عُلاه في هذه الليالي المباركات أن يوفقنا لما خُلِقنا لأجله، وأن لا تشغلنا الدنيا عن عبادته وطاعته.. حتي نُحِبَّ لقَاءَه، ويحب لقاءنا. وأن نسّخر زحمة هذه الأيام لتكون مرتعاً خصباً لخير الأعمال ونافع الأقوال.. رحم الله أخي وصديقي فاروق عبد المنعم. ذلك الرجل الذي عاش حياته وسط الزحام وبالزحام ودّعَته الناس إلي مثواهِ الأخير.. ولم أشهد، علي قدر ما حضرت عزاءات في جامع عمر مكرم، زحاماً كالذي شاهدته بالأمس وأنا أقدم واجبات العزاء في صديقي الطيب الراحل، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وأن يجعل قبره مزدحماً بالرحمات وبالمرحمات وأن يملأه نوراً ورضوان. فاروق عبد المنعم.. عرفته منذ حوالي خمسةٍ وثلاثين عاماً، ومنذ أن عرفته وهو في خير ونعمة من الله. رجلٌ بالغ الكرم، ويجمع في بيته ومجلسه الناس من كل الطبقات.. من العَالِم حتي العَامِل.. ورغم ذلك الصرح الصناعي والتجاري الذي بناه.. « موبيكا « ورغم ما أدخله علي هذه الصناعة من تطور في الأثاث شكلاً وموضوعاً في مصر وفي العالم العربي، حتي نافس علي المستوي الأوروبي.. لكنه لم يتغير من حيث حب الناس له وحبه للناس، وكان شخصاً يميل إلي المرح والأُنس البريء، دون إغضاب لرب العالمين ودون تعدٍ علي الأخلاق والقيم.. وكان من أجمل عاداته في رمضان، ما كان يقيمه من ولائم السحور في مكاتبه ليزيد من اللحمة الإيمانية والاجتماعية بين ناسه وأصدقائه.. كان رجلاً سعيداً حاول جاهداً أن يستمتع بالحياة وزينتها التي أحلها الله لعباده والطيبات من الرزق، وكان يعلم كمؤمن أن الموت آتٍ ولم يكن يخشاه، لأنه من الذين أحبوا لقاء الله.. وأرجو أن يحبَّ الله لقاءه.. ولا أقول هذا من باب « اذكروا محاسن موتاكم « ولكني رأيت الرجل كله محاسن، رحمه الله وغفر لي وله وللمسلمين أجمعين برحمته لا بأعمَالِنا.. لأننا مهما عملنا فسنظل مقصّرين تجاه ما أنعم الله علينا جميعاً من نِعَمٍ لا تُعّد ولا تُحصي.. ولقد أوصي الرجل قبل موته، ألايكون الحزن التقليدي طابع صيوانه ولا دافع عزائه.. فأراد أن تُوزّع الحلوي في دار العزاء، وطلب أن يكون العزاء شاملاً للرجال والنساء، تكريماً لأهل وأصدقاء زوجته ومحبيه، ولابنه محمد وأولاده وبناته الذين أسأل الله أن يوفقهم جميعاً في حياتهم، خاصةً وقد ترك لهم أبوهم داراً معمورة بالمحبة عامرة بالإيمان.. لم تكن هذه الجموع التي اعتادت أن تحيط به هي سمتها الوحيدة، فقد كان للرجل أعمال خير في الخفاء لا يبديها، ولكنه كان يتقرب بها لله صاحب الفضل والعطاء. رحمه الله فقد كان لساناً عفيفاً لا يتكلم عن أحد ولا يغتاب صاحباً، ولم يكن يوماً بفضل الله في حاجةٍ لنفاق صديق أو رياء الناس. وصدق الله القائل : (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ)، ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.