لايوجد في مصر منذ بدء ثورة يوليو 2591 وحتي نهاية عهد مبارك.. وطوال حكم عسكري امتد لحوالي ستين عاما.. أي قانون أو نصوص تشريعية.. تمنع الكلام أو الكتابة عن الجيش.. إلا ما يمكن أن يمس أمن الدولة القومي.. وتلك حدود معروفة للعامة والكافة.. ومتبعة في كل دول العالم. لكن جري العرف منذ ولاية رؤساء عسكريين ثلاثة علي حكم بلدنا لسنوات طويلة.. اسباغ نوع من العرف أو التقاليد يمنع الاقتراب من السلطة العسكرية.. أو الكلام عنها صحفيا وإعلاميا حتي وصل الأمر إلي اعتبارها منطقة محرمة ومحظورة وأضفوا عليها نوعا من التعتيم وصل إلي حد القداسة بالمخالفة لكل القواعد والقوانين! لهذا لم يستطع أحد أن يناقش علي مدي تلك السنوات الطويلة تفاصيل ما تضمنته معاهدة كامب ديفيد.. ولا طبيعة وحجم المعونة الأمريكية للجيش المصري.. وتأثيرها علي مستوي تسليحه.. ولا ميزانيات السلاح التي لا يعلم أحد عنها أي تفاصيل حيث كانت ومازالت ضمن أقدس المقدسات المحظور الكلام فيها.. رغم ان مبارك وعلي مدي سنوات حكمه الطويلة حصل علي تفويض مفتوح وغير مشروط من البرلمان يعقد صفقات واتفاقيات التسليح دون أي رقابة علي حجمها ولا كيفية انفاقها ولا مدي صحة مسارها! الآن مع ذكري أكتوبر يتجدد الحديث عن كامب السادات مبارك.. تلك الاتفاقية الملعونة التي أبرمها السادات بإرادة رئاسية.. ولم تكن تمثل أبدا أي إرادة شعبية وطنية.. ولهذا عاني كثيرا من حملات انتقاد ضارية من كل القوي المعارضة والوطنية في مصر حتي انتهي الأمر باغتياله في يوم ذكري حرب مصر الكبري! السادات قبل رحيله قال في مناسبات عديدة انها اتفاقية فك اشتباك ومن حق الأجيال القادمة بعدنا أن تغير ما تراه مناسبا لها! لكن إذا كان السادات صاحب قرار الحرب والسلام أرادها هدنة أو استراحة محارب.. فإن مبارك كان علي نقيض هذا الموقف.. أرادها معاهدة أبدية لا تتغير.. رغم ان نصوصها تسمح لنا بالتعديل كلما اقتضت ظروف الأمن القومي لمصر إعادة النظر فيها! الآن وبعد حادث اغتيال جنودنا علي الحدود.. تفجر موقف الاتفاقية وضرورة تعديلها بعد ان أصبحت مانعا يحول دون بسط السيادة المصرية علي أراضي سيناء.. خاصة من الناحية الأمنية وأوضاع القوات التي أصبحت علي ما يبدو تحت حصار الجماعات الجهادية.. وعصابات المخدرات وتجارة السلاح والتهريب! هذا الوضع المتردي أمنيا في سيناء دفع بمستشار الرئيس محمد عصمت سيف الدولة إلي رفع صوته أمام لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشوري معلنا تقدمه بمشروع قانون لتعديل بعض بنود تلك الاتفاقية.. فكما قال انه في المادة الرابعة منها أعطت اولوية لامن اسرائيل علي حساب الامن القومي لمصر.. وأصبح ثلثي سيناء من المناطق المقيدة والمنزوعة السلاح.. فكيف تحميها مصر وتمنع ما يهدد أمنها؟! ورداً علي كلامه قال الدكتور فؤاد رياض القاضي السابق بالمحكمة الدولية ان الحادث الإرهابي الأخير يوضح انه حدث تغيير في نظام الأمن بسيناء. وهناك متغيرات تستلزم وجود قوات من الجيش لحماية الأمن القومي لمصر.. ومن الأفضل البدء في التفاوض حول تعديل البنود الأمنية في الاتفاقية فوراً.. ولو رفضت إسرائيل فهناك بنود في القانون الدولي تسمح لنا بالتعديل وفقا لمبدأ تغير الظروف! في أعقاب ذلك الكلام المهم خرج علينا جنرالات إسرائيل بتصريحات تهكمية واستفزازية.. ترفض إجراء أي تعديل.. بل وتدعو المصريين ألا يتوهموا إمكانية حدوث هذا التعديل! بعدها يعقبه تصريح أكثر بجاحة من السفيرة الأمريكية في مصر آن باترسون معلنة لنا.. لا تغيير في معاهدة السلام! مسك الختام كان تعقيب المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الدكتور ياسر علي مبشراً ومؤكدا بدوره انه لا يوجد حاليا ما يستدعي تعديل اتفاقية كامب ديفيد.. مضيفا لنا ان مصر لديها كل ما تحتاجه من امكانيات لبسط سيطرتها علي سيناء.. وإعادة الأمن والاستقرار فيها.. معتبرا ان ما أعلنه مستشار رئيس الجمهورية عن الاتجاه لتعديل الاتفاقية يعبر عن رأيه الشخصي! شكراً سيادة المتحدث الرسمي فقد أوضحت لنا علنا وصراحة ان كامب ديفيد اتفاقية أبدية.. بل خط أحمر.. وأن مصر أمريكا إسرائيل إيد واحدة.. والدنيا لم تتغير.. والثورة ماتت وعلينا أن نتقبل العزاء فيها!