لمدونات تملأ الفضاء الالكترونى فتحي سليمان: المطبوع الورقي مازال يحتفظ بجمهوره رفض القيود بمختلف أنواعها والتعبير بحرية لا حدود لها؛ حرّض ما يقرب من خمسين ألف مدون مصري (العدد ما زال يتكاثر) بالانضمام إلي الشبكة العنكبوتية للتفاعل مع من يرغب في التفاعل معهم.. والفضول شرط وحيد للتعارف بدون فواصل جغرافية. ثلث عدد المدونات المصرية لا تتقيد بمجال اهتمام محدد - بحسب الدراسة التي أعدها مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء - في حين أن المدونات السياسية بلغت نسبتها 18.9٪ و15.5٪ من المدونات المصرية شخصية، و14.4٪ منها ثقافية " أدبية فكرية فنية صحفية "، و7٪ مدونات دينية، واجتماعية، و4.8٪ حول الرجل والمرأة والزواج والطلاق والعنف و4٪ علمية تكنولوجية. القاسم المشترك في هذه المدونات هو تقديمها بأسلوب وشكل إبداعيين ساهم في هجرالقارئ للمكتبة الكلاسيكية والجلوس إلي نوافذ إليكترونية تأتي له بأخبار، وأسرار، وأفكار مبتكرة، وموضوعات مشوقة، وإبداعات..الخ . بينما يصاحب كل ذلك صورا نادرة وفيديوهات حصرية في حين لا وجود لسلطة تتحكم أو رقابة تمنع. وتمتاز كل مدونة بتعريف صغير وبسيط يضعه صاحبها في بداية الصفحة ليمثل مدخلا لشخصيته فنقرأ في المدونة السياسية " مصطبة عويس" مثلا : "خلي بالك، صاحب المحل ساخر، ومتشائم بشكل مفزع. ومبيفرقش معاه صغير أو كبير. يكره بشكل غامض كل أساليب النصح والارشاد والدعوة بالهداية، لو عندك حاجة مفيدة ممكن تقولها أو تورينا العرض الجميل لأكتافك".. أما آخر ما سطرته الروائية الشابة ياسمين مجدي في مدونتها "كتابات المطر علي أوراق الشجر" فكان حول "الخطابات" لنقرأ: (.... كتابة الخطابات ميراث ضخم في العائلة، وتقليد اتبعوه منذ زمن. جدي لأمي يحترف كتابة الخطابات لأخوته وأبنائه بكلمات غاية في الفخامة والرصانة ومملؤة بحب غزير، أعتادت جدتي بدورها أن تستعير الصيغ التي يؤلفها لتكتب بها خطابات إلي أخوتها. في تلك السنوات القديمة كانت المدرسات يكتبن ملاحظات في الشهادة الدراسية ويكون علي ولي الأمر أن يوقع عليها، فكان جدي يعقب بكلماته المميزة، مثل: زمع شكري الخالص إليكم لهذا الإخلاص الوفي نحو اهتمامكم بنجلتي...). أما شعار المدونة الاجتماعية "عايزة أتطلق و...."، فهو "مرحبًا بالطلاق" وصاحبتها هي السيناريست الشابة محاسن صابر، التي عاشت حياة زوجية تعيسة، لم تستمر إلا ثلاثة أعوام، وقضت سنوات طويلة في المحاكم؛ للحصول علي الطلاق. وقد افتتحت مدونتها بعبارات محملة بالألم، تقول: "عندما ينعدم الأمان في الحياة الزوجية، وتصبح الطمأنينة حُلمًا بعيد المنال؛ فعندها مرحبًا بأبغض الحلال" القاصة مني الشيمي تعترف بأنها انساقت كما انساق كثيرون من الأدباء - إلي الانضمام لمنتديات الأدب الإنترنتي فور انتشارها، تقول: راودني حلم أن أصل بأدبي إلي "بوركينا فاسو" عبر مدونتي صفصافة، لكنني هجرتها كما هاجر الكثيرون - عندما قامت دولة الفيس بوك أملا في الوصول هذه المرة إلي كُتاب القطب الشمالي! وتضيف: استطاع الإنترنت بما يتيحه من منابر مختلفة للنشر السريع أن يخلق الكاتب الجديد، أو الكاتب المُدون، ذلك الذي يجد في طريقته في احتساء الشاي والوقوف تحت الدش وأساليبه في ممارسة الجنس علي "الماسنجر" أفكارا تستحق لأن يقوم باعتقالها في قصة وإطلاقها في الفضاء كتجارب عظيمة يجب أن يُحتذي بها، وكما خلقت المدونات هذا الكاتب، أوجدت له -أيضا - جمهور معجبين يسعون إلي خلق نوع من الصداقات لمقاومة الملل، لست ضد أن يكتب كل إنسان تجربته الحياتية، ويحقق لنفسه ولمن يتساوي معه في المستوي الثقافي ، فليس من المعقول أن أقترح قراءة رواية "صحراء التتار" ل "بوتزاتي" علي من يرون في شعبان عبد الرحيم أسطورة الطرب العربي. نسأل الشاعر مؤمن سمير: هل أفادت - أو أضرت - المدونات الابداع؟ فيجيب: نعم أفادت وفي نفس الوقت أضير الإبداع!! ويوضح: هناك من استفاد بالتدريب اليومي علي الكتابة ومن انجرف ففقدت كتابته خصوصيتها.. ومن أصيب بحب الظهور وأقتنع أن العالم يراقب سكناته وحركاته، فأقام في هذه المتاهة ونسي القراءة وذهل عن إبداعه وبات يبهر العالم- بصوره واقفا وقاعدا وطائرا!.. وهناك من وصل بإبداعه لمناطق أخري، وعلمته الحرية المتاحة أن ينسي فكرة التأطير الضيقة فيتسع النص ويصير مطعما بأشكال أخري دون خوف من مؤاخذة من يبحث عن النظرية والانضباط الصارم.. لكن من سلبيات الحرية أنها تزيد من وهمك بأنك عظيم لأنك لن تعدم المعجبين بأي تفاهة مهما كانت.. وهذه طبيعة المتاهة ومأزقها في الآن ذاته.. فكرة اللاقانون - أقصد إعادة النظر في أفكار من مثل القانون والرقابة والإكتمال ودحضهم طول الوقت - هي فكرة مبهرة وتعني الفوضي في نفس اللحظة.. ويري الروائي فتحي سليمان أن المدونة لا تفلح في تقديم المنتج الأدبي المنشود ذلك لأن معظم المدونين يكتبون للمرة الأولي، وصنف التدوين بأنه مرحلة تالية لحصص الإنشاء في المدارس، لكونه لا يحظي بروابط، أو ضوابط، إبداعية وليس أكثر من دردشة كتابية تريح الكاتب نفسيا بسرد مسترسل لا يندرج تحت أي شكل إبداعي متعارف عليه. والتدوينة مجرد إبداء رأي في عالم افتراضي عزز من وجودها ضيق المساحة في الصحف بحيث لا تشمل كل الناس وتقيدها برقابة، إضافة إلي أن المدونات علي المدي البعيد لم تفرز أدباء ولم يخرج من رحمها كاتب حقيقي ولم تؤثر من بعيد أو قريب علي القراءة الورقية التي لا زالت تحتفظ بجمهورها.