بعد قيام طائرات حربية روسية بمناورتين بالقرب من أهداف أمريكية خلال الأسبوع الماضي عاد شبح الحرب الباردة بل وقوع حرب عالمية ثالثة،يخيم علي أجواء العلاقات بين البلدين من جديد، خاصة أن إحدي المناورتين كادت تلامس سفينة حربية أمريكية في بحر البلطيق، بينما كانت الأخري قرب طائرة أمريكية في المجال الجوي الدولي بالقرب من الحدود الروسية. ووصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانه يلعب بالنار وان المناورتين قد تم إجراؤهما بتوجيه منه شخصيا، باعتبار ان التحرش بالجيش الأمريكي يمثل خطورة شديدة. وكانت التوترات بين واشنطنوموسكو قد وصلت إلي أعلي مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وهو ما تطور إلي توقيع عقوبات ضد روسيا من قبل أمريكا وحلفائها الاوروبيين، كما تشعر روسيا بحساسية شديدة تجاه إجراءات جديدة للناتو قام الحلف خلالها بتدريبات ومناورات مكثفة بالإضافة إلي نشر قوات في محيط روسيا، كما تشعر موسكو بقلق بالغ حيال أمن كالينينغراد، المنطقة التابعة لسيطرتها قبالة شواطئ البلطيق (حيث جرت المناورتان الأخيرتان)، وكانت موسكو قد هددت بنشر الصواريخ الباليستية في تلك المنطقة إذا قامت الولاياتالمتحدة بتحديث ترسانتها النووية في ألمانيا. ويضيف التقرير أن التدهور الشديد في علاقة روسياوأمريكا والانحدار نحو عقلية الحرب الباردة لن تكون في مصلحة أحد، لذلك، يجب أن يكون السؤال هو: كيف يمكن لأمريكا تجنب المواجهة مع مراعاة مواجهة موسكو عندما يتطلب الأمر ذلك؟.. واقترح التقرير عدة إجابات: تدهور وتهديد عدم تحويل الأمر إلي صراع بين دولتين، حيث ستأتي طريقة التفكير تلك بنتائج عكسية علي الولاياتالمتحدة. ويجب أن يكون رد واشنطن في سياق حلف الناتو قدر الإمكان، بما في ذلك ما يتم علي الأرض وفي البحر والجو في تلك المنطقة. ما ترغب فيه روسيا هو تحويل الأمر إلي مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة ومحاولة إحداث انقسامات داخل الحلف، وهو ما يجب أن تقوم واشنطن بتجنبه وأن تواصل الانتشار تحت اسم الناتو. الولاياتالمتحدة ترغب في مواجهة روسيا، إلا أن السؤال يتعلق هنا بأين يجب أن تكون هذه المواجهة، حيث يجب أن تواصل واشنطن ضغطها علي موسكو من خلال العقوبات إلي أن تلتزم باتفاقية مينسك لوقف إطلاق النار في أوكرانيا بالكامل، وأن تواصل امريكا ضغطها لإسقاط نظام الأسد، وايضا توجيه اللوم لروسيا علي انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان. وهناك الكثير من الاختلافات الأخري بين واشنطنوموسكو ولكن لا يجب الدخول في مواجهة بشأنها الان، مثل عسكرة منطقة القطب الشمالي، وعدم التزام روسيا بمعاهدة الحد من التسلح، ونشرها للدفاعات الصاروخية البالستية وغيرها. مكافحة الإرهاب يجب اتباع منهج يقوم علي مكافحة الإرهاب بشكل متعاون ومكافحة المخدرات والقرصنة كذلك، وغيرها من المشكلات الدولية التي تتفق فيها واشنطن مع موسكو بصورة كبيرة. من الممكن أيضاً بالنسبة للبلدين العمل في منطقة البلقان ويمكن أيضاً تطوير التعاون بين البلدين في المجال البيئي، ومن خلال زيادة التعاون غير الحكومي علي مستوي التبادل الطلابي، وكذلك البحث عن أرضية مشتركة للعمل في سوريا (علي الرغم من أن قضية الأسد ستبقي حجر عثرة دائماً)، كما ان لدي كل من امريكاوروسيا أيضاً اهتماما مشتركا فيما يتعلق بحل التحديات التي تواجهها أفغانستان، وكذلك مشكلة التسلح بين الهند وباكستان. سيكون من الذكاء قيام واشنطن بزيادة محادثاتها مع روسيا بشأن البروتوكولات الحالية المتعلقة بالتفاعل العسكري للقوات، وتعد الاتفاقية الأمريكة السوفيتية التي تم التفاوض بشأنها عام 1972 والتي تتناول الوقاية من الحوادث في البحار أساسا جيدا للتنسيق بين عمل الطائرات والسفن، حيث وضعت توجيهات محددة للغاية خلال فترة الحرب الباردة. إن تم ذلك، فسيعني عقد مؤتمر يضم كبار القادة العسكريين الروس والأمريكيين لمراجعة وإعادة إحياء تلك الاتفاقية، وهو ما سيعد خطوة إيجابية للغاية. أنشطة استفزازية واختتم التقرير بان فرص حدوث حرب باردة في الوقت الحالي تتضاءل بالنظر إلي أعداد القوات والسفن والطائرات، وكذلك درجة الاستعداد العسكري لتنفيذ عمليات واسعة النطاق عالمياً، واحتمال شن هجمات نووية، إلا انه إذا لم تتوقف الأنشطة الاستفزازية، مثل مناورات الطيران الروسي الأسبوع الماضي، فقد نصل عاجلاً أم آجلاً إلي إسقاط طائرات أو مواجهات أخطر بكثير. ومن جانبها، يجب أن تكون الولاياتالمتحدة دقيقة للغاية فيما يتعلق بانتشارها العسكري حول محيط روسيا والتأكيد علي عدم تفكيرها في أي عمل هجومي، وألا تتخذ أية خطوات الا من خلال اجتماعات حلف الناتو مع روسيا، كما تحتاج الدولتان إلي التعامل بينهما بوضوحٍ شديد، وتهدئة نبرة الخطاب، ووقف تلك المناورات الاستعراضية قبل أن توجّه النيران إلي الطائرات.