رغم الخلافات التي خيمت علي العلاقات الامريكية السعودية في السنوات الاخيرة الا ان زيارة الرئيس باراك أوباما للسعودية اكتسبت طابعا استثنائيا ليس فقط لما يحيط بها من ظرف إقليمي ودولي عاصف ولكن كون الرئيس الامريكي يزور هذه المرة بلدا مختلفا يعمل بجدية علي بناء قدراته الذاتية ومراجعة خياراته الاستراتيجية فيما يتعلق بحفظ أمنه واستقراره وتحالفاته إلاقليمية التي يسعي عبرها إلي الحد من الاعتماد علي الحليف الدولي التقليدي (امريكا).ومن ثم يعرض اوباما علي السعودية شراكة حقيقية بعيدا عن الشعارات خاصة بعد أن أبدت الادارة الامريكية في السنوات الاخيرة بوادر تراجع عن التزاماتها تجاه المنطقة . معروف ان العلاقة بين السعودية وامريكا اخذت في التدهور منذ عام 2000 عندما فشل الرئيس كلينتون في الوصول لاتفاق سلام بين سوريا واسرائيل في مؤتمر السلام في شفردستوون واتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في كامب ديفيد. عندها شعر السعوديون ان كلينتون فشل في دفع اسرائيل بما يكفي لتقديم تنازلات. وكانوا يعتقدون ان التوصل لاتفاق سوري كان ضروريا حتي يبعد دمشق عن إيران ويعزل حزب الله ويمهد الطريق لاتفاق فلسطيني. وشعر الملك عبد الله بخيبة أمل مريرة عندما انحاز الرئيس بوش الابن لاريل شارون عام 2001 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعدها اتهم الملك عبد الله بوش بالتواطؤ في جرائم حرب ورفض لقاء بوش أو زيارة واشنطن رغم توسلات بوش الأب والابن. وتم استرضاء عبدالله جزئيا عندما دعا بوش علنا إلي إقامة دولة فلسطينية رغم ان السعوديين تشككوا سرا انه كان فعلا يعني ذلك. تزايد توتر العلاقات بعد احداث 11 سبتمبر فقد تساءل الأمريكيون لماذا هاجم 15 سعوديا أمريكا ولماذا يكره أسامة بن لادن واشنطن؟! ولم يصدق السعوديون ان يكون تنظيم القاعدة وراء هذا الهجوم حتي قامت القاعدة بهجمات داخل المملكة عام 2003. فقاموا باتخاذ اجراءات ملموسة ضد الجماعة. وتزايدت حدة هذا التوتر بعد الغزو الامريكي للعراق.. فلم يقتنع السعوديون بالاسباب التي تذرع بها بوش لغزو العراق خاصة ان بغداد لم تكن لها علاقة بالقاعدة او اسامة بن لادن، وتوقعت السعودية ان تقوم واشنطن باحلال جنرال سني بدلا من صدام، الا انها سلمت العراق للشيعة ومن ثم ايران. ورغم ان أوباما جعل محطته الأولي الرياض في أول زيارة له للشرق الأوسط عام 2009. الا ان نتائج الاجتماع مع الملك عبد الله لم تكن جيدة صحيح ان أوباما وعد بمعالجة القضية الفلسطينية الا ان السعوديين اعتقدو ان اوباما استسلم لنتانياهو وشعروا بخيبة أمل أخري. وتوالت النكسات في العلاقات مع ثورات الربيع العربي بعد ان تخلت واشنطن عن بعض الانظمة العربية وزادت الاوضاع سوءا بعد التطورات الحاسمة التي حصلت في المنطقة منذ قمة كامب ديفيد العام الماضي التي تغيب عنها الملك سلمان تاركاً أوباما غارقاً في التهافت الواهم علي الاتفاق النووي مع ايران واخيرا الخلافات بين الطرفين بسبب قانون الكونجرس، الذي يجيز مساءلة المملكة في المحاكم الأجنبية عن تورطها في أحداث 11 سبتمبر 2001 حيث سعي أوباما خلال الزيارة لتحسين العلاقات وتهدئة الموقف. ومع ذلك يؤكد مراقبون استحالة استغناء الولاياتالمتحدة عن السعودية ودورها في حفظ الاستقرار ومواجهة الإرهاب وان القمتين اللتين جمعت أوباما مع الملك سلمان ثم زعماء الخليج تشكلان بداية نمط مختلف من علاقة أكثر توازناً ويعتبر مراقبون أن تشكيل تحالف عربي لدعم الشرعية في اليمن، ومنع وقوعها بيد إيران عبر وكلائها الحوثيين يشكل مثالا عمليا بارزا علي هذا التوجه ويذهب البعض إلي اعتبار الحاجة الأمريكية لبلدان الخليج وللسعودية تحديدا في بعض الملفات أشد من حاجة الخليجيين لواشنطن المتجهة نحو مرحلة من الانكفاء.. ومن هذه الملفات ملف محاربة الإرهاب الذي تتوقف عليه مصائر شعوب بأكملها في جميع أنحاء العالم بلا استثناء ويؤكد بروس ريدل خبير سياسات الشرق الاوسط بمعهد بروكينجز انه بالرغم من كل الاختلافات لا يتم الطلاق بين السعودية والولاياتالمتحدة فكل من امريكا والسعودية بحاجة إلي بعضهما البعض.. فقد باعت واشنطن اسلحة للسعودية بما يعادل95 مليار دولار كما ان بينهما مجالات ذات اهتمام مشترك واتفاقا علي محاربة تنظيم داعش والقاعدة والتي نمت بشكل كبير خلال حرب اليمن. كما ان كلا من واشنطنوالرياض تستطيعان التعاون أيضا في الحد من الأنشطة التخريبية الإيرانية وتحديدا في دول الخليج. كما ان سوريا موضوع شائك بين البلدين فالسعودية تعتقد ان حل الحرب الأهلية لايمكن ان يتم إلا برحيل الاسد. كما أن إحلال السلام باليمن له أولوية عليا. فقد كانت واشنطن شريك الرياض الصامت في هذه الحرب وتوفر لها المساعدة الضرورية. وكلفت هذه الحرب المملكة بالفعل الكثير من المليارات. كما ان واشنطنوالرياض لديهما مصلحة مشتركة في الحد من نفوذ طهران مستقبليا في صنعاء وهو مايتطلب اقناع الحوثيين بانهم ليسوا في حاجة إلي مساندة ايران ليكون لديهم حصة جيدة في الحياة السياسية في اليمن. ولذلك فالادارة الامريكية محقة في الاستمرارفي العمل مع القيادة السعودية بالرغم من خلافاتهما لان الشرق الأوسط في حالة من الفوضي والمملكة حاليا لاعب رئيسي فيه. واخيرا فان الزيارة كونها قد تكون الأخيرة لأوباما كرئيس لامريكا يمكن أن تساعد في احتواء خلافات البلدين والتأكيد علي المصالح المشتركة رغم انه لن تعيد العلاقة إلي أيام مجدها.