لا أعرف يا صديقي لماذا بدأت أحترمك! ربما لأني بدأت الآن أعرفك. رغم السنوات التي عشناها معا بالطول والعرض. بدأت أحترم فيك السؤال والحيرة في كل ما يجري حولك. شيء غريب أن يقضي الإنسان مساحة كبيرة من حياته. يعيش ويتقبل هذه الحياة كشيء بديهي. وأن تمر الأشياء أمام ناظريه. لا تبعث ولا تثير في نفسه أي جديد. والأغرب أن يتحول الإنسان بمرور الوقت إلي ما يشبه الجماد. أو »ترس« يدور في عجلة متوحشة اسمها الدنيا. وأنت يا صاحبي عشت تؤمن بأشياء كثيرة بلا تفكير. كانت حياتك نوعا من العادة والتعود. كنت تؤمن بأشياء تافهة لا تستحق حتي مجرد التفكير فيها. وكنت تتعامل مع الناس بقلبك. ومع نفسك بعقلك. وكان لابد أن تكون مشكلة لهذا السبب... وفي لحظة ما من مسيرة العمر. وأنت تلتقط أنفاسا مجهدة متعبة. بدأت أخيرا تتساءل. تحولت أغلب أفكارك إلي علامات استفهام كبيرة. سألت نفسك: لماذا أنا هنا؟ وسألت نفسك: من أنا؟ وسألت: ماذا أريد من الآخرين.. وماذا يريدون مني؟ صحيح انك لم تعثر علي إجابة واضحة. لكنك وسط الحيرة تحسست ظلام الطريق. نحو الضوء الجميل الذي بدأ يبزغ من جديد. وعرفت انك مجرد إنسان. بسيط لدرجة التعقيد. طموح بغير أنانية. نابه لكن عاجز عن الدهاء. وعرفت انك لا تعيش وحدك هذه الحياة. وأنك لست أول أو آخر من عاشوا فيها. وان الدنيا بك وبدونك سوف تمضي. وأنك في اللحظة التي ستتوقف فيها عن العطاء. ستتوقف عن الحياة. العطاء فقط يؤكد احساسك بوجودك. ويبرز ذاتك إلي معني الحياة.. وعرفت ان الحياة أقصر من أن تقضيها أو أغلبها. في الحزن. وأنه لا شيء علي الاطلاق يستحق الندم. لكن الألم شيء ضروري كالحياة نفسها. وأنك في اللحظة التي ستتوقف فيها عن أن »تريد« ستتوقف آلامك. فالرغبات والأمنيات تسبب لنا التعاسة. لأنها أبدا لا تتحقق كلها..وعرفت ان السعادة بساطة وقناعة. فهل عرفت ما يكفي؟ .. هل عرفت؟!