في هذا الباب نكشف القناع عن الوجه الآخر للشخصيات التي اعتدنا رؤيتها في ثوب واحد .. نتعرف علي الأفكار والهوايات وتفاصيل الحياة الطبيعية التي تختفي خلف أقنعة المنصب .. أو خلف الظروف التي تفرضها طبيعة العمل .؛ هو محاور من نوع خاص.. يحمل فضولا محببا.. وإلحاحا مهذبا.. وابتسامة ودودة..تستمتع به وهو يسأل ويحاور ويحاصر.. ثم يثبت عينيه في وجه ضيفه.. ويصمت بذكاء.. ليستمع.. هو المحاور والكاتب والإعلامي القدير مفيد فوزي.. داخل بيته الأنيق ومكتبه المنظم.. كان هذا الحوار.. أستاذ «مفيد».. لا يحتاج إلي أسئلة.. يعرف ما يريد المحاور سماعه.. وما يريد القارئ معرفته.. ومن خبرته الطويلة.. انتقي لنا أجمل الحكايات.. والذكريات.. والاعترافات.. من أيام الزمن الجميل .؛ ................................. ؟ أبدأ بأبي.. ليس لأنه الأقرب والأكثر حنانا.. بل لأنه كان حالة خاصة.. كان «سي السيد».. شديد القسوة.. وهي قسوة حرمتني من رعايته الشخصية.. لكن حينما كبرت أدركت ان هذه القسوة علمتني الصلابة.. كان أبي يعمل مديرا إداريا في مستشفي بني سويف.. وكنت أحب القراءة بكل أنواعها.. وأحب سماع الأغاني.. لكني لا أمارس هذه الهوايات إلا في غياب أبي.. وبمجرد سماع صوت خطواته علي سلم منزلنا الخشبي.. ألقي بالكتاب.. وأحول الراديو إلي قناة صوت العرب.. وأذكر أنني في أحد الأيام كنت ألعب كرة قدم وضاعت فردة حذائي.. فعدت إلي المنزل بدونها.. وكان عقابي الحبس في البيت لمدة 16 يوما.. منها يوم كامل مربوط في السرير.. إلي هذه الدرجة كان أبي قاسيا .؛ ................................. ؟ كنت طفلا فضوليا.. أسأل طول الوقت.. ويعاقبني أبي طول الوقت لكثرة أسئلتي.. جينات الفضول هي التي صنعت مني محاورا.. لكن أبي لم يكن يريدني صحفيا ولا إعلاميا.. كان يريدني مدرسا مثل منصور افندي مدرس اللغة الانجليزية.. لكني أتصور أن حسين أفندي سليم مدرس اللغة الفرنسية هو صاحب الفضل في توجهي للكتابة.. فقد كان من المدرسين هواة الضرب العنيف.. فقررت مواجهته بالكتابة.. وأعددت مجلة حائط بها مقال كبير عنوانه «ليس هكذا يكون التعليم يا حسين أفندي».. وحينما رآها الناظر سامي سليمان سارع بلصق ورقة سوداء علي المقال.. وكانت أول مرة أعرف معني الرقابة .؛ ................................. ؟ أمي «كلها حنية».. وهي درجة أعلي من الحنان.. شجعتني علي القراءة.. وعلمتني من صغري الذهاب لمكتبة البلدية.. كانت تشجعني علي كل ما أحب.. وحينما كنت أنجح في الدراسة «كانت تأخذني بالحضن.. وتكافئني بطبق البليلة باللبن اللي باحبه » .؛ كانت أمي «تعمل لأبي ألف حساب» ولديها أسلوبها في التأثير عليه.. فتتقبل الصياح الأول منه مع عدم الرد.. ثم تنتظر لحظة الهدوء لتعد له القهوة.. وتناقشه وهو يشربها .؛ ................................. ؟ لا أذكر أن أبي ابتسم لي سوي مرة واحدة بعد أن تجاوزت العشرين عاما !!.. وقتها شكا لي من مدير المستشفي الطبيب الذي يشتم المرضي في بني سويف.. وطلب مني «أكلم له موظف في الوزارة».. كنت وقتها «نكرة كبيرة».. مجرد متدرب في روزاليوسف.. لكني استطعت أن أصل إلي وكيل الوزارة .. وقابلناه أنا وأبي وقام بحل المشكلة تليفونيا.. فشعر أبي بأهمية مهنتي .. وابتسم لي لأول مرة .؛ ................................. ؟ من الأحداث المهمة في حياتي تعييني في روزاليوسف.. كان ذلك عام 1957.. كنت متدربا.. وذهبت مع أحمد بهاء الدين لزيارة فاطمة اليوسف صاحبة الدار في المستشفي حيث تعاني من كسر في الساق.. وكان جميع الزائرين يكتبون أمنياتهم بالشفاء فوق الجبس.. أما أنا فقررت أن أنتهز الفرصة.. فأمسكت القلم وكتبت علي الجبس :»أتمني أن أكون صحفيا معروفا».. ووقعت : مفيد فوزي -12 أسود.. «حجم بنط الكتابة» .. فعاتبني أحمد بهاء الدين.. لكن السيدة فاطمة طلبت منه تعييني.. لأنها رأتني شجاعا لا أخاف .؛ ................................. ؟ حينما فكرت في الزواج كنت رافضا وكارها لصورة «سي السيد».. وقلت لزوجتي آمال العمدة في بداية زواجنا: «نعمل مجلس نواب من طرفين.. ونتناقش في كل امورنا «.. ومع ذلك فلم يسلم الأمر من الخلافات الكثيرة.. لكنها تحمل مذاقا طيبا بعد العتاب .؛ ................................. ؟ عندي صورة واحدة لأبي.. كثيرا ما أنظر إليها وأقول له : «ياريتك شفتني وأنا ناجح.. أنا مش مجرد مدرس بيدرس لفصل واحد زي ما كنت بتحلم.. ده أنا صوتي وفكري بيوصلوا للمجتمع كله.. من خلال الصحافة والتليفزيون كمان» .؛ ................................. ؟ حنان هي أهم امرأة في حياتي.. ورثت جيناتي ومواهبي.. فأخذت مني الصلابة والموهبة الصحفية والإعلامية.. كنت شديد الحنان معها.. دايما بابتسم لها بعكس والدي.. وعمري ما ضربتها إلا مرة واحدة في حياتي لما مسكت كبس الكهربا» .؛ ................................. ؟ شريف هو حفيدي الوحيد.. عمره 14 عاما.. أتمني أن يقرأ لي مقالا لأنه للأسف لا يقرأ إلا بالإنجليزية!! شريف .. حبوب جدا معي.. وأحيانا يشكو لي أمه «بس طبعا من غير ما تعرف» .؛ ................................. ؟ نشأت وسط أساتذة عظام.. التابعي وفتحي غانم ومصطفي محمود ولويس جريس .. هيكل كان صاحب فضل عليّ خاصة وقت مرضي وأهم أسباب نجاحه قدرته علي التحليل والربط بين الأشياء.. مصطفي أمين كان مبهرا.. وكانت الدنيا بالنسبة له «خبر صحفي «.. وكان صديقا لكل مشاهير مصر.؛ ................................. ؟ اليقظة هي أهم سماتي.. قال عني أحمد بهاء الدين « المنتبه دائما».. وقال هيكل «لا يعرف النوم».. وقال إحسان عبد القدوس «عاطفي.. يخفي رومانسيته».. وقال أنيس منصور «الصحافة.. وجعه وعلاجه».؛ ................................. ؟ أهوي شراء الورق.. وجمع الأقلام خاصة الفيلوماستر التي لا أكتب إلا بها .. المكتبات هي أول شيء أدخله في كل بلد أزوره .. ومن هواياتي أيضا أنني أرتبط عاطفيا بمن أحاورهم.. خاصة حينما أضع يدي علي نقاط التقاء بيني وبينهم .؛ ................................. ؟ كنت أتمني أن تعيش الكلمة عند الناس.. ولكن هذا الحلم لم يتحقق .. فالشباب الآن أسير النت والتويتر والفيسبوك وانستجرام.. أما الكتاب فقد تاه وفقد ولم يستدل علي عنوانه.. فلا أحد في المدينة يقرأ !؛ ................................. ؟ أحيانا أحلم أني لازلت أريد أن أكتب.. وأتكلم.. وأن تصل كلمتي للناس وتخلق تيارا للتفكير .. وأحيانا أخري أشعر أني كتبت كتير.. واتكلمت كتير.. وأصبحت أخيرا.. أفضل الإصغاء .؛