أدعو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وفضيلة مفتي الديار المصرية إلي زيارة المتحف لمشاهدة مقتنياته الفريدة في رسالة قوية لقوي التطرف والإرهاب المتاحف ذاكرة الأمة وقلبها النابض وعنصر فاعل في تأصيل الهوية الثقافية بوصفها منبراً من منابر نشر الثقافة والتعليم في المجتمع، وهي بما تحتويه من كنوز تعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ مصر وتراثها الثقافي والحضاري، ومتحف الفن الإسلامي بباب الخلق الذي يشهد حاليا مشروع تطوير شامل شرف علي الانتهاء بعد العملية الإرهابية التي تعرضت لها مديرية أمن القاهرة في الرابع والعشرين من يناير 2014 وأوقعت ضرراً بالغاً بالمتحف وبعض مقتنياته، يعتبر واحداً من أهم متاحف العالم التي تعرض آثاراً وتحفاً إسلامية، وترجع فكرة إنشاء المتحف إلي عام 1888م حينما قررت الحكومة المصرية آنذاك جمع التحف الفنية الإسلامية من الجوامع والقصور وغيرها من العمائر الإسلامية حفاظا عليها من الضياع. وقد استقر الرأي حينها علي تأسيس لجنة حفظ الآثار العربية والتي أشرفت بدورها علي بناء قاعة تتوسط صحن جامع «الحاكم بأمر الله» لحفظ التحف التي يتم جمعها، وأثناء فترة حكم الخديو « عباس حلمي الثاني « تم بناء دار الآثار العربية بباب الخلق حيث تم نقل التحف التي كانت موجودة بجامع الحاكم إلي المبني الحالي عام 1902 وقد عكف المسئولون عن الدار علي استكمال المجموعات بحيث تشمل العصور الإسلامية في بلدان الخلافة الإسلامية من الصين شرقا حتي بلاد الأندلس غربا، الأمر الذي دعا آنذاك إلي تغيير اسم دار الآثار العربية إلي متحف الفن الإسلامي ذلك لأن التحف التي يضمها المتحف لا تقتصر علي آثار البلاد العربية وإنما تشمل مختلف البلدان الإسلامية. وتعتبر مجموعة « يعقوب باشا ارتين « من المعادن والأوسمة والنياشين من أهم مقتنيات المتحف هذا بالإضافة إلي مجموعة الأمير» كمال الدين حسين « والتي تضم السجاجيد الإيرانية والتركية والأخشاب المزخرفة والأواني الزجاجية من الدوارق والكئوس ذات الألوان الرائعة، ومجموعة « علي باشا إبراهيم « من السجاد والخزف المتنوع من مختلف البلدان الإسلامية، كما قام الملك « فؤاد « بإهداء مجموعته القيمة من المنسوجات الفاطمية ذات القيمة الفنية العالية بألوانها ورسومها وكتابتها التاريخية بالإضافة إلي مجموعة الأختام والمكاييل والموازيين المصنوعة من الزجاج والتي تعتبر وثائق مهمة للتاريخ والحضارة الإسلامية. ويستطيع أي منا تلمس عظمة الفن الإسلامي عبر العصور ومقدار ما وصل إليه الفنان المسلم من ذوق رفيع ودقة رائعة في تشكيل التحف وتنفيذ الزخارف الفنية من خلال زيارة سريعة إلي المتحف بعد إعادة تطويره وافتتاحه خلال الأيام القادمة، وقد آثرت هنا أن أعرض لمجموعة فريدة من أهم المجموعات التي يزخر بها المتحف وهي مجموعة شبابيك القلل المعروضة بقاعة رقم 23 بالمتحف، وهي الأقرب إلي وجداني وتعتبر بحق من أهم المجموعات الموجودة في المتحف، والتي تدل علي عظمة ورقي الفن الإسلامي علي مر العصور. إذ يتجلي ذلك بكل وضوح في إبداع الفنان المسلم في تصميم وتنفيذ زخارف شبابيك القُلَل التي تجمع بين جميع مميزات الفن الإسلامي وخصائصه في آن واحد؛ إذ كانت زخارف شبابيك القُلَل تنفذ بدقة وبراعة بالغة، وفي وقت قياسي، كما اشتملت هذه الزخارف علي رسوم حيوانية مُحَورة وزخارف نباتية وهندسية وكتابية.. وأول تلك الخصائص والمميزات التي تحققت - وبشكل واضح - في شبابيك القُلل، هي إبداع الفنان المسلم في وضع الزخارف، واهتمامه بالتفاصيل الزخرفية. ومن المعروف أن الفن الإسلامي قد استمد جذوره من الفنون السابقة، وكان نتاج امتزاج العديد من الحضارات، واعتمد علي بعض العناصر الفنية والزخرفية التي وجدها في المعابد والكنائس، ثم عمل علي تطوير عناصرها. وقد استمد تشكيلاته النباتية من العناصر الموجودة في الطبيعة، ولكنه استطاع أن يُحَور هذه الرسوم النباتية ويجردها في خطوط متشابكة، فنشأ عن ذلك فن متميز أُطلق عليه اسم الأرابسك.. هذا إضافةً إلي ظهور عناصر زُخرفية جديدة، مثل استعمال الخط العربي بأشكاله المختلفة، وصناعة الخزف ذي البريق المعدني، وغيرهما. ويبقي متحف الفن الإسلامي بمجموعاته المختلفة والمتنوعة شاهداً علي إسهامات الحضارة الإسلامية في العلوم الإنسانية المختلفة كالطب والفلك والصيدلة والهندسة وفي الفنون وعودة الروح إلي المتحف بعد أن شرف مشروع تطويره علي الانتهاء يدعونا إلي ضرورة الدعوة إلي زيارته واستلهام روح الحضارة الإسلامية العظيمة والعمل علي محاربة مظاهر التخلف وروح التطرف والإرهاب التي تغلغلت في عالمنا الآن، والعمل الجاد علي استمرار مسيرة التطور والتنمية ومحاولة إحياء روح ومميزات الحضارة الإسلامية العريقة التي علت بإتقان العمل واحترام النظام والسعي إلي الابتكار والتعايش مع الآخر، وأحث فئات المجتمع المختلفة علي زيارة المتحف.