وبين فصول كتابه العذب عن الكون وعشقه لكل مخلوقاته يأخذنا الكاتب الكبير أحمد بهجت الي التأمل في ملكوت الله ومخلوقاته في عالم النبات والشجر حين كتب يقول : لا أحد يدري سوي الله وحده أي آمال سرت في عروق ورقة شجر حين ولدت ذات صباح ربيعي ناعم إن نعمة الحياة توحي للمخلوق بزهو لا يمكن سجنه في كلمات.. في البدء كانت ورقة الشجر خضراء غضة ،وكانت ناعمة ،أما خضرتها فكانت تميل الي أول ورقة في الأخضر الفاتح، كانت خضرتها مشرقة بشمس صيفية عفية ، وفي عروقها تكاد تسمع دوي العصارات ،وهي تصعد من الجذور إلي الساق الي الأوراق الي الوريقات وكانت الورقة تتلقي هبة الله بالشكر الأخضر والحياء المنكسر. ثم دارت الارض حول نفسها دورة، مر يوم قلّ فيه خجل الوريقة المولودة وتفتحت أكثر .. وتسرب إلي لونها الفاتح مزيد من اللون الاخضر من نفس الدرجة، زادت خضرتها انبساطا واتساعا، وبدت الورقة كأنها تريد أن تقول شيئا وتتهيأ لفتح فمها، ولكنها عدلت في اللحظة الاخيرة ،لم تقل شيئا، ولكن شيئا ما في مظهرها كان يؤكد أنها تهدر بفرح عفوي طفولي، لا يدري عن أوجاع الأشجار شيئا....... وبدت ورقة الشجر الجديدة مميزة وسط الشجرة كلها ،كانت تلمع أكثر من بقية الأوراق، وكانت تضوي أكثر من البقية، وكان هدير العصارات يمضي داخلها مثلما تمضي الموسيقي الكونية في نسيج الكون ذاته . استوت الورقة الجديدة.. وقالت باستوائها كلمات كثيرة لم تفهمها غير بقية اوراق الشجرة، والشجرة نفسها .. مرت أيام.. ومازالت الورقة تفضي بأسرارها الي الهواء، كل يوم كانت الورقة تستحم في الشمس، ثم تجفف نفسها في الظل ،ثم تتأمل القمر اثناء الليل ،ثم تأخذ حمام الندي في الفجر ،ثم تعود لحديثها الهامس الغامض الطويل الخافت ...... ثم مرت عليها الرياح يوما فتحركت كأنها ترقص ، ورمقتها بقية اوراق الشجرة بابتسام يشبه تأمل الشيخوخة لعبث الاطفال لكن الشمس لا تترك أحدا علي طفولته.. مرت أيام وشهور وكبرت ورقة الشجرة، وزحف عليها لون يقترب من لون الشمس الاصفر، انطفأ البريق وجاء خريف الشيخوخة ووهن اتصالها بالشجرة ولا أحد يعرف متي تتهاوي الورقة ساقطة علي الارض معلنة قدوم فصل الشتاء .