أبدأ كلامي باعتذار، وتوسل لقبول الاعتذار أعترف أنني لم ولن استطيع أن أوفيك حقك في كل شيء. لأنك أحببتني قبل أن تريني، أما أنا فأحببتك لأنك أول من رأت عيني.. لأنك أحببتني بلا مقابل، أما أنا فأخذت المقابل مقدماً، بعد أن دفأني حضنك، وأشبعني لبنك، وغمرني حنانك، وشفاني رعايتك، ونجحني سهرك وتشجيعك، وأرشدتني توجيهاتك، وطمأنتني حمايتك. كنت ومازلت محور حياتك في صحوك ومنامك، في كل مكان، وفي كل وقت، أما أنا فكنت مشغولا باللعب صغيراً، وبالمذاكرة فتياً، وبالعمل شاباً، وبتكوين مستقبلي وأسرتي رجلاً، وبأولادي أباً، وبعملي مسئولاً. كنت محل رعايتك طوال الوقت لم يشغلك عني سوي الصلاة والعبادة، حتي في الصلاة كنت أسمعك وأنت «تدعيلي»، أما أنا فلا أرعاك إلا عندما تحتاجين لرعايتي. قيمتي عندك وصلت إلي ما لانهاية منذ أن جئت إلي الحياة، أما أنا فقيمتك تزداد كلما رأيت امرأة غيرك، وكلما تعاملت مع امرأة غيرك، وكلما تحدثت مع امرأة غيرك، فأجدك دائما الأجمل والأحن والأفضل والأتقي علي الإطلاق. لم يوصك الله بي، ولكن الله أوصاني بك، لأن الله خالقنا يعرف أن حبك لي بالفطرة، أما أنا فيعرف الله أن الحياة يمكن أن تلهيني عنك، وحذرني من أن أقصر معك بل نهاني عن حتي أن أقول لك «أف». لم تغضبيني يوماً، ولكني أغضبتك مراراً، منذ صغري بسبب «الشقاوة». لم تطلبي مني شيئاً، ولكني دائم الطلبات، ولم ترديني يوماً. تسارعين بإيجاد تبريرات لتقصيري معك، في حين لم تقصري معي ثانية واحدة. لم يكن لي شريك في حبك، أما أنا فأحب أولادي معك، بل وتحرضيني علي ذلك. من البداية وأنا أعرف أن المقارنة ظالمة، فأين أنا من حبك وعطائك، وتضحيتك، وتفانيك معي، ومهما حاولت ومهما فعلت فأنت الأول في كل شيء. أمي أراني ألهث وراء الحسنات وأنا أبرك، وأراك تهرولين وراء إرضائي وأنت تحبينني. سامحيني أن أغضبتك يوماً. سامحيني أن قصرت معك في شيء. سامحيني أن أرهقتك معي. سامحيني بأثر سابق وأثر لاحق. ربنا مايحرمنيش من حبك وعطفك وحنانك.. ودعواتك. كل سنة وأنت طيبة يا أمي. شوفتي حتي وأنا بأعيد عليكي بقولك ادعيلي.. قدرك أني أبقي ابنك.. وحظي الحلو أنك أمي. آخر كلمة وأنهي كلامي بدعاء: يارب لا تكل أمي إلي نفسها ولا إلي غيرك طرفة عين.. فأنت الواحد الأحد الذي يمكن أن يجازي أمي خيراً عني وعن أختي وعن والدي رحمة الله عليه.