تطالعنا الصحف بالعديد من الأخبار عن تجاوزات بعض أفراد الشرطة.. وفي هذا المضمار أذكر بحكم قضائي أصدرته محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية سطرت فيه المحكمة خطورة المشكلة ووضع الحلول لها بمناسبة قيام أحد المواطنين برفع دعوي قضائية ضد وزارة الداخلية ورئيس مباحث أحد أقسام البحيرة للمطالبة بالتعويض عن قيام الضابط بتعذيبه فقام وزير الداخلية برفع دعوي ضمان فرعية امام ذات المحكمة يطالب فيها المحكمة بالرجوع علي الضابط بما عساه أن يحكم به ضدها، وقد أصدرت المحكمة حكمها في الدعوي رقم 93 لسنة 13 قضائية ودعوي الوزير بالضمان الفرعية رقم 17321 لسنة 15 قضائية بجلسة 11 يناير الماضي .. حيث عرضت المحكمة إلي الخلل التشريعي ووضع الحلول بتحديد الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية والمسئولية عن التعويض من المال الخاص للمعتدي من رجال الشرطة فقالت في ذلك « إن ارتكاب رجل الشرطة جريمة التعذيب الواقع علي أحد المواطنين يعد خرقا دستوريا وجرما جنائيا وإثما تأديبيا وتشكل خطأ شخصياً من جانبه تستوجب مسئوليته عن التعويض المطالب به من ماله الخاص باعتبار أن التعذيب ينال من الكرامة الإنسانية وأن ارتكابه لهذا الخطأ الجسيم يجاوز المخاطر العادية للوظيفة، ولا يمكن قبوله أو ايجاد عذر لارتكابه خاصة بعد ان ثار الشعب علي كل مظاهر الاستبداد بثورتيه في 11 يناير 2011 و30 يونيه 2013، ولا يمكن التسامح فيه حتي بالنسبة لرجل الشرطة غير المتوسط، ويعد الخطأ في حالة التعذيب جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الايذاء ام لا وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة، ويمثل ذلك التجاوز منه انحرافا حقيقيا للسلطة في الدرك الأسفل منها وهو المنوط به بأن يكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن والسهر علي حفظ النظام العام والآداب العامة ويلتزم بما يفرضه عليه الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وأن المشرع قرر في قانون هيئة الشرطة أنه يجب علي الضابط مراعاة أحكام هذا القانون وتنفيذها وعليه كذلك أن يحافظ علي كرامة وظيفته طبقا للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب لها لكنه لم يعالج جريمة التعذيب التجاوز عن حدود المخاطر العادية للوظيفة الشرطية بنصوص خاصة وتركها للقواعد العامة في المسئولية وهو ما يستنهض همة المشرع للتدخل لتقنين جريمة التجاوز والتعذيب جنائيا وتأديبيا ومدنيا حماية للمجتمع والحفاظ علي تماسكه « تحية إجلال وتقدير للمستشار الدكتور محمد خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة الذي يجتهد ويؤسس لمدرسة علمية في حيثيات أحكامه في الشأن العام بما يكفل الحلول بعد بسط الحق والعدل لأصحابه. والسؤال : هل اطلعت أجهزة وزارة الداخلية علي هذا الحكم المهم الذي ينقذها مما هي فيه؟ هل كلفت الشئون القانونية بالوزارة نفسها أو حتي قيادات الوزارة بالاطلاع علي حيثيات هذا الحكم في قضية هي من أخص واجباتهم وما سطر فيه من علاج للمشكلة ؟ أم أن كل ما يشغل بالها هو رفع دعوي ضمان فرعية لتلقي بعبء المسئولية علي أحد أفرادها ضباطا وامناء ؟ وهل سعي وزير الداخلية أو أجهزته المعنية بالاطلاع علي أهم الأحكام التي تخصها إلي تقديم اية اقتراحات للجهات المسئولة في الدولة ؟ يبدو أن مؤسسة الرئاسة كتب عليها أن تقوم بنفسها بمواجهة أخطر المشكلات التي يجب علي الوزارات المعنية الاضطلاع بها ؟ لذا أقترح علي مؤسسة الرئاسة بما أنها سوف تقدم اقتراحا بقانون أن تطلع علي خبرة القضاء المصري الذي أدلي بحكمه بالعلاج لهذه المشكلة . إن أخطر ما تواجهه مختلف الوزارات في مصر إنها تنتظر دائما مؤسسة الرئاسة للقيام بواجب اناطه بها القانون في الأصل.