حدثنا الحارث بن خرمان: قال: عزمت علي الانبساط.. واللهو والزياط.. فقد كان اليوم عطلة.. تطيب فيه السطلة.. فاشتريت بلبوعة.. بالبهارات مصنوعة.. وشربت فوقها حسب العادة.. فنجان قهوة سادة.. وذلك لكي تسيح.. ويحصل التفريح..فلما صعد شعاعها إلي الدماغ.. وسخنت لها الطاسة والأصداغ.. قمت من القهوة.. أتمشي خطوة خطوة.. فوصلت بعد قليل.. إلي حي قصر النيل.. المحلي بالسرايات.. وقصور الباشوات.. والبكوات.. فجعلت ألف وأدور.. حول هاتيكم القصور والدور.. وليس هناك ضجة ترامواي.. ولا رعاع تقول: هع ها هاي.. لكن تغريد أطيار.. ونسيم ينفحني بأريج الأزهار.. فاشتاقت نفسي والله العظيم.. إلي هذا النعيم.. فشمرت الجبة والقفطان.. وقعدت علي الرصيف زعلان.. أفكر في بؤسي وكفي علي خدي.. وليل مدي الأزمان أرقده وحدي.. وأسأل ربي هانما شركسية.. يتم بها حظي ويعلو بها سعدي.. فانفتح شباك.. من القصر الذي هناك.. وأطلت منه جارية بيضاء نصف عارية.. وقالت أيها الشيخ الغريب.. ادخل من هذا الباب القريب. قال: فتوكلت علي الله.. ودخلت مسميا باسم الله. فقالت: هل أنت شحاذ ؟.. فقلت: لا ولكني أستاذ. فقالت: وهل أنت جوعان؟.. فقلت: بل عاشق ولهان. فقالت: أمان.. أمان وأدخلتني المطبخ.. الذي ليس له بربخ.. فنزلت علي الدجاج.. والفطير المحشو بالعصاج.. والحمام المقلي.. والمحاشي والتورلي.. وأكلت الأرز الذي باللبن.. وكل شهي حسن.. ثم عطفت علي البقلاوة.. والكنافة التي بالحلاوة.. حتي حلة أرز مفلفل أكلتها حاف.. وشربت بعدها سلطنيتين من الخشاف.. وكأنني قد عاد لي والله جوعي من جديد.. وكأن معدتي الجحيم تقول لي: هل من مزيد لم أبق شيئا في الكرار سوي المغارف والحديد.. وبطون أهل العلم لا يرجي لها غير الثريد ثم نادتني الهانم.. وقالت: خاش جالن جانم.. فلقيتها قاعدة علي السرير.. تحت ناموسية من الحرير.. فرميت العمة علي الأرض.. ووقعت في العرض.. وأظلتنا سحابة التسلي.. ودار الذكر في ساعة التجلي.. فلما بدأت المغاني.. وأنشدنا مجموع الأغاني.. كنت أقول: يا ليل ياليل.. وهي تقول: ياعين ياعين.. ومن بالوصل يعتز.. كيف لا يهتز.. مدد مدد: سادتي إني وحبكم فني.. فأقربوا مني وأصلحوا الحالا.. عبدكم هائم ولكم خادم،، دائما نائم قط ما حالا.. كلما ذاقا ذاك الذي ذاقا.. هب مشتاقا يلثم الخالا.. فلما فرغنا من الأشعار.. وجلوس الليل وقعود النهار.. قلت يا مدام.. أريد أن أخش الحمام.. فقالت: خش.. وافتح عليك الدش.. فخلعت ما علي من لباس.. وفتحت الدش النحاس. قال: فلما نزل الماء علي رأسي.. أفقت إلي نفسي.. وإذا بي علي سهوة.. أجد نفسي قاعدا في القهوة.. والناس من حولي يتفرجون.. وهم من الضحك ميتون.. والقهوجي واقف بالإناء.. وآخر يصب علي رأسي الماء. فقالوا: ماذا أكلت ؟ فقلت: وماذا فعلت ؟ قالوا: لقد لحست القهوة.. وأكلت غذاء جارك عنوة.. ثم هجمت علي القطة.. وأردت بها أفعالا منحطة.. ولما وجدناك تحاول خلع لباسك.. صببنا الماء علي راسك.. وذلك لكي تفيق.. والله ولي التوفيق.. فقلت: سبحان الله.. ولا حول ولا قوة الا بالله.. ونويت التوبة.. وقمت علي طول.. وبصقت في وجه بائع المنزول. والمقامة السينمائية قال بخيت بن وعلان: خلقت وجبلت. علي بغض ما جهلت. ما لا أعلمه لا أقع فيه. وإن كنت أشتهيه. فحلف عليَّ جماعة من الأشقياء. ليأخذوني إلي السينماء. فلما دخلتها زاد وسواسي. حين لم أر غير الكراسي. وأقوام يجلس بعضهم خلف بعض صفوفا. وكلما جاء أحد قاموا له وقوفا. ومع هذا فقد قعدوا ساكتين. وأقلعوا عن التدخين. وما رأيت الناس قط تزدحم إلا أمام عاصم أو معتصم أو حينما علي خوان تلتئم أو عندما عجل سمين ينقسم فقلت لأتبعن هؤلاء المجانين. وسأعلم خبرهم بعد حين. فلما اكتمل الحضور. أطفيء النور. فأحسست بالشر. وما كنت أتوقعه من ضر. فأخرجت كيس نقودي يا سيدي. وجعلته في يدي. خوفا علي النقود. من أولئك القعود. وبينما أنا أراقب من حولي من اليمين والشمال. إذ ظهر علي الجدار خيال. ثم أعقبته كتابة. ما خلتها إلا دعابة. ثم عاد الخيال يترنح. ويقفز ويتأرجح. وقد عاد مع آخرين. من أمثاله الشياطين. فتلوت وتمتمت وجعلت أكرر المعوذات. سبع مرات. فاشتعلت الأنوار. واختفي العفريت وطار. فقلت لإخواني ما رأيكم في هذه العفاريت؟ فقال أحدهم سحقا لك يا بخيت. هذه صور أناس مثلنا تفعل كفعلنا. قلت ما هم إلا قردة. أو عتاة مردة. والدليل. الذي ليس إلي نقضه سبيل. دق الطبول والمزمار. كما يُفعل في الزار. وليس ينقصكم الآن غير البخور. والاستعاذة من هذا الماخور. والله ما انصرفوا إلا بالسبع المنجيات. وما تزحزحوا إلا بهذه القراءات. ولو مكثوا لأحرقتهم. وما تركتهم. قالوا: نراك ما حرقت. ولا تركت. فهذا وقت «الإنتراكت». وسيعودون بأهلهم وولدانهم. وسهولهم ووديانهم. وقراهم وبلدانهم. ولسوف تعلم بعد حين. أنك من الجاهلين. إلي يوم الدين. فقلت أيها الأحمق الغبي. الفرنجي غير العربي. هل بعد هذا برهان. علي أنهم ليسوا من بني الإنسان ؟ قال ستري. فلما أطفأوا النور مرة أخري. عادوا كما قال. فخرجت في الحال. وأنا أقول: تخذت الله لي ربا ودين المصطفي دينا ألا يا أيها الجيل الذي ما زال مأفونا دخلتم دار توغرافٍ ظننتم بقرها تينا ولو كنتم كما كنا من الغر المصلينا لأبصرتم كما نبصر بالعين الشياطينا ولكن ظلمة تعلو علي أبصاركم حينا لهذا تبصرون الشيء مقلوبا ومجنونا هذا. ولا يزال الناس يدخلونها إلي يومنا هذا !