بعد 72عاما علي صدوره.. مازال كتاب «ناصر» لوزير الشئون الخارجية البريطاني أنتوني ناتنج أهم الكتب عن عبدالناصر قائد ثورة يوليو 25.. لثلاثة اسباب:الأول: أن كتاب ناصر يتناول سيرة زعيم تجاوز تأثيره حدود بلاده بل ومنطقته إلي العالم بأسره ووصفه الاعداء قبل الأصدقاء بالوطنية وسحر الشخصية.والثاني: أن المؤلف نفسه انتوني ناتنج من الشخصيات السياسية البارزة التي لعبت دورا هاما في السياسة البريطانية اذ كان يشغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجية في حكومة ايدن واستقال من منصبه احتجاجا علي اشتراك بلاده في العدوان الثلاثي علي مصر عام 65.. هذا فضلا ان مصادر معلوماته كانت صداقته الشخصية الحميمة بعبدالناصر وصلاته بغيره من الرؤساء ورجال السياسة العليمين ببواطن الأمور في منطقة الشرق الأوسط. اما الثالث: فهو صدور الكتاب في 02طبعة حتي الآن. وحماس القراء علي امتداد الوطن العربي لاقتناء الكتاب باعتباره من الكتب الموضوعية التي تناولت سيرة الزعيم عبدالناصر. فقد اعتمد انتوني ناتنج في كتابته لقصة حياة عبدالناصر علي اراء وذكريات رفاق عبدالناصر وأعوانه الأساسيين وعلي معرفة شخصية به بدأت منذ عام 4591 وحتي وفاته في مطلع السبعينيات. يقول ناتنج: كان عبدالناصر رجلا فذا فقد خلق احساسا بالكرامة والعزة والوطنية في شعب لم يعرف كثيرا غير المهانة والقمع طوال الفين وخمسائة عام.. واحالت انجازاته امة من الفلاحين المتخلفين المطحونين يحكمها طاغية اجنبي ويحتلها جيش اجنبي إلي مجتمع يضم مواطنين مستقلين لهم نصيب من ارضهم كما أنه غرس بذور مجتمع صناعي حديث. ففي مصر حيث الزيادة السكانية تقدر بمليون نسمة سنويا قد لا تتوفر الأراضي الكافية للفلاحين نجح السد العالي الذي بناه عبدالناصر في زيادة الرقعة الزراعية إلي ما يزيد علي مليون فدان.. كما أنه بفضل قوانين الاصلاح الزراعي اصبح اولئك الذين كانوا مرغمين علي العمل لسادة اجانب يمتلكون 57% من الأراضي. وأضاف: بالرغم من أن برنامج التصنيع لم يحقق كل ما كان يصبو اليه ناصر فإن مصر قطعت شوطا طويلا علي طريق أن تصبح دولة صناعية تنتج مصانعها سلسلة من المنتجات المتطورة مثل الثلاجات واجهزة التليفزيون والجرارات.. وبلغت قيمة الإنتاج الصناعي اربعة اضعاف ما كان في الفترة ما بين 25 07 كما تحسنت ظروف العمل تحسنا كبيرا واصبحت المعاشات التي كانت تمنح قبلا حسب اهواء اصحاب الأعمال مكفولة بفضل مشروع التأمينات الاجتماعية علي مستوي الأمة بأسرها. كما اتسع نطاق التعليم.. فانطلاقا من الإيمان بحق كل طفل في التعليم المجاني زاد عدد تلاميذ المدارس في ظل حكومة عبدالناصر إلي اربعة اضعاف ما كان عليه اذ بلغ عددهم قرابة 4 ملايين طالب.. وانخفضت نسبة الامية من حوالي 08% عام 25 إلي أقل من 05%.. ومع التوسع في التعليم الفني والتعليم الجامعي اصبحت مصر تعد ما تحتاج اليه من مهندسين وعلماء وفنيين ينعكس نجاحهم في شبكات الاذاعة والتليفزيون الحديثة التي تفوق من حيث الكيف ما يوجد لدي أي دولة عربية أخري والتي لاتضارعها في ساعات الإرسال غير أكثر الدول تقدما في العالم. يرجع الفضل في الجانب الأكبر من هذه الانجازات إلي عبدالناصر نفسه.. فلولا حملته التي قضت علي فساد الحكم القديم لتعذر احراز اي تقدم. كان عبدالناصر يعتقد أن الديمقراطية البرلمانية لن تؤدي الا إلي تشجيع ظهور احزاب لا تخدم غير مصالحها الخاصة علي حساب الشعب بأسره.. ولكن لا يغيب عن بالنا أن الشعب المصري وضع عبدالناصر في مصاف الآلهة. وهذه عادته مع زعمائه منذ العهود القديمة وذلك بترديد الاغاني والامثلة التي تعلن أنه معصوم عن الخطأ.. فإذا كان عبدالناصر قد تصرف بطريقة اقرب إلي الفرعون القديم منها إلي حاكم دستوري يعيش في القرن العشرين فإن اللوم في هذا يقع علي عاتق الشعب بقدر ما يقع علي عاتقه. ويقول ناتنج: لم يصبح عبدالناصر زعيما في مصر وحدها إذ أنه بعد أن احبط محاولة بريطانيا وفرنسا الرامية إلي القضاء عليه وعلي ثورته عام 65.. صار عبدالناصر بطلا قويا لكل قومي عربي من المحيط إلي الخليج.. وكانت حرب 84.. قد اقنعت ناصر ان العرب لايستطيعون تحقيق استقلالهم الا بالوحدة.. واعتقد عبدالناصر أن حزب الوفد أكبر الاحزاب المصرية قبل ثورة يوليو قد فشل في تحرير مصر برفضه الاتحاد مع اشقائه العرب خارج حدود مصر.. كما عقد العزم علي استخدام شعبيته في ضم العالم العربي تحت لوائه.. ولم يكن ذلك مسألة تعظيم للذات بقدر ما هو تحقيق هدف تحرير مصر وكل دولة عربية أخري. ولكن حتي وإن كان عبدالناصر قد حظي بتأييد الجماهير في خارج مصر وفي داخلها الا أنه لم يستطع فهم اخوانه العرب.. وعندما ربط نفسه برغبتهم الملحة في قيام نوع من الوحدة انخدع عبدالناصر أن أولئك الذين يلوحون بالراية يريدون الحياة في ظلها.. ولما كان قد اعتاد علي تصريف امور رعاياه المستكينين نسبيا تعذر عليه أن يري أنه حتي اولئك العرب الذين كانوا يشاركونه ميوله الايديولوجية مثل البعثيين السوريين لابد انهم يرفضون ان تحلم عليهم القاهرة ارادتها.. ولم يدرك الابعد فوات الاوان أن ما احرزه من نجاح مبكر في نشر رسالة القومية العربية انما تحقق بالقدوة أكثر منه باستخدام الضغط أو التآمر. ويقول ناتنج: ان ثورة يوليو بقيادة عبدالناصر كانت ثورة حقيقية نجحت في تغيير المجتمع بسرعة حيث بدأت رياح التغيير تهب علي مصر بعد شهر ونصف فقط من الثورة. ففي شهر سبتمبر عام 25.. استبعد عبدالناصر علي ماهر رئيس الوزراء لإصراره علي أن يكون الحد الأقصي لملكية الأراضي بموجب قانون الإصلاح الزراعي 005فدان وليس 002فدان كما قرر مجلس قيادة الثورة. عندئذ اصبح محمد نجيب رئيسا للوزراء ورأس حكومة غير حزبية تتكون اساسا من كبار الموظفين المدنيين وصدر قرار يحدد ملكية الفرد للاراضي بمائتي فدان فقط.. ويسمح للأسر بامتلاك مائة فدان أخري علي أن يتم تعويض اصحاب الأراضي بسندات حكومية بفائدة قدرها 3% ويقدر ثمنها علي اساس عشرة اضعاف قيمتها الايجارية.. كما تقرر توزيع الأراضي علي الفلاحين علي اساس خمسة افدنة لكل فلاح علي أن يسدد ثمنها خلال فترة لاتزيد علي ثلاثين عاما.. هكذا بتحرير الفلاح حققت قوانين الاصلاح الزراعي اهدافها. وبعد أشهر قليلة وبالتحديد في يناير عام 3591 وجه مجلس قيادة الثورة ضربة قاضية للنظام الحزبي القديم فقد أصدر قرارا بحل جميع الاحزاب السياسية والغاء دستور 32 وإعلان قيام حكومة عسكرية لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات.. ثم صدر إعلان بتشكيل هيئة سياسية وحيدة تحل محل الاحزاب التي تقرر الغاؤها وتقرر أن تسمي هيئة التحرير ومن بين مهامها الإشراف علي تنفيذ برنامج ثورة يوليو المكون من 6نقاط.. وهي القضاء علي الاقطاع.. والقضاء علي رأسمال المستغل.. قيام حياة ديمقراطية سليمة. اقامة جيش وطني قوي.. وتحقيق العدالة الاجتماعية. وفي نفس الشهر اعلن عبدالناصر تطهير مصر من الفاسدين حيث تم القبض علي زعماء الأحزاب القديمة بتهمة افساد الحياة السياسية والكسب غير المشروع وشكلت محكمة الثورة برئاسة عبداللطيف البغدادي لمحاكمة هؤلاء المتهمين وصدرت عليهم احكام بالسجن المشدد.