د. فوزى فهمى غادرت ياسيدتي العالم الذي مارست فيه مقاربات، ومنظورات، وتساؤلات عن التضاربات والتباعدات التي تتبدي في علاقة الرجل بالمرأة، وشكلت ابداعاتك المتعددة شبكة تواصل، تتجاوز تفاوت مستويات الادراك لشرائح مجتمعك، تحقيقا لتداول أفكارك عن حتمية استحضار المفقود الغائب، الدال بحضوره علي صحة تلك العلاقة، وبانتفاء حضوره تفقد المرأة كمال هويتها، وخصوصيتها، وازدهارها، فتصبح عاجزة عن مد جسر التواصل، إذ تحاصرها حلقات من الأفعال التي تخنق حريتها، وتجمد مصيرها، عندئذ تعلو صيحتها المدوية »أريد حلا«، بوصفها صيحة تحمل دلالة الدعوة إلي التغيير خلاصا للمصير، تنشد بلورة وعي يرتقي بالواقع، يحررها، ويفك أسر مصيرها من أوضاع يحصنها ارث الأسي المعهود، الحافل بجموح هيمنة خانقة للحقوق، تشكل بنية صلبة لسجن كبير كبر الوجود، يتأبي علي الفهم، ويحرسه قانون. ولأنك ياسيدتي كنت تدركين انه يتوجب إعادة تفحص ذلك القانون، ولأنك أيضا تمثلت الاختلاجات الناتجة من افراط الرجل في الهيمنة والاكراه والانغلاق والتضييق والجمود، الذي أهدر وجود المرأة حتي أصبحت رهينة أهوائه بلا رقيب، ولأنك كذلك كنت علي يقين ان لا شيء يستولد رقي التغيير سوي التنوير، لذا كان رهانك منازلة الظلام بممارسة التنوير، كشفا لحقائق الآلام التي تعانيها المرأة، بوصفها ليست أوجاعا جسدية، لكنها أوجاع تتجلي في تحطيم الرجل لقدرة المرأة علي التصرف في حياتها، انتهاكا لاكتمال وجودها، واذلالا لذاتها، ودفعا لها إلي الاحتضار. تبدي هذا المسار في قصتك »أريد حلا«، التي تحولت فيلما عام 5791، اذ طرح مأساة ثلاثة نماذج من النساء المهجورات. حرمت المرأة الأولي حق الطلاق من زوج هاجر، داعر، كائد، طاغ ويحمي طغيانه بالقانون، أقامت المرأة دعوي قضائية انتزاعا لحقها، ودفاعا عن ذاتها، عندئذ تباطأت موجات رحلة شقائها الممتد، عبر أثقال الأعراف المتوارثة، اذ عندما استنجدت بقانون الأحوال الشخصية، خذلها ذلك القانون، وخسرت قضيتها لتظل معلقة بلا خلاص، معدومة الذات، فليس من مقاصد ذلك القانون الدفاع عن ذات المرأة من الإلغاء، بل المحافظة علي صورة المرأة المتكررة في أعراف الرجال. أما المرأة الثانية فهي مطلقة، وتشقي تحت وقع تكاثف ضاغط من العوز لتربية طفليها، حيث حرمها الزوج بسطوته من النفقة، فأقامت دعوي قضائية للحصول علي حقها، فزج بها في مضيق تواصل التأجيلات المتواترة، فما انفكت المرأة تتوجع من غلبة الاحتياج وامتداده، ولم تستطع في النهاية الصمود أمام مغريات قواد يطاردها بتوفير المال الضامن بما يفوق احتياجاتها، فسقطت احتياجا. والمرأة الثالثة عجوز مهجورة بعد ثلاثين عاما من زواجها، طلقها زوجها ليتزوج فتاة صغيرة، فتردت العجوز أسيرة الاحتياج والعجز، فأقامت دعوي نفقة، فخسرتها، فعاودت إقامة أخري، لكن الموت عاجلها دون أن ينصفها القانون. لقد تبدت الازدواجية بمعناها الكريه في قصتك يا سيدتي بوصفها دلالة مأزق الاشكال المجتمعي المكبل للفكر الاجتماعي، اذ ما تنتجه هيمنة الرجال من أشكال المعاناة المهينة، كالانصياع، والتسخير، والتحقير، والتبخيس الممنهج ضد النساء، يتبدي وكأنهن منذورات لتلك الخيبات، كما ان الثقل الحاسم لتلك الازدواجية ياسيدتي يجعلها لا تجيب عن سؤال قصتك: ما الذي جعلكم أيها الرجال تفعلون ذلك بالنساء؟ صحيح ياسيدتي انك استطعت بعدستك الابداعية الكاشفة، أن تفضحي المسكوت عنه والمتواري في حياة نساء يعشن مهجورات بشكل دائم، ولا يملكن الأمل انه سيطرأ علي حياتهن التغيير يوما، اذ جمد الرجال مصيرهن، وصحيح أيضا ان زلزال ابداعك بحصافة صياغته الدلالية، استنفر السخط والاستهجان، فأحرزت انتصارا رائعا عندما جري تعديل قانون الأحوال الشخصية، لكن الصحيح كذلك أنك وقفت بالمرصاد لسلبيات ذلك القانون الجديد الذي نص علي ان الشقة من حق الزوجة عند الطلاق إذا كانت حاضنة، وما دون ذلك يكون مصيرها التشريد، فكان اصرارك دفاعا عن اقتدار المرأة علي مواجهة كل تهديد لوجودها، وذلك بفضحك امعان المجتمع علي المناورة ضد حقوقها، فجاء فيلمك »امرأة مطلقة« عام 6891، حيث فاجأ بطلته جحود زوجها بعد ثمانية عشر عاما بهجرها، ولأنها كانت حاملا، أصبحت الشقة مناصفة مع مطلقها وزوجته الجديدة، ومدلول ذلك ان الطفل حماها من التشرد. كانت نماذجك ياسيدتي نساء مهجورات مشمولات بالضعف، فلم يولد استبداد الرجال لديهن محاولة انصاف ذواتهن بذواتهن، ربما لمعهود ما نشأن عليه من تأثيم المواجهة مع الرجال، لكنك في فيلمك »الضائعة« عام 7891، قدمت نموذجا لامرأة مهجورة ذات سمة لافتة علي ابداعاتك، اذ بعد ان اغتربت المرأة عن أطفالها وزوجها، بحثا عن عمل شريف، يوفردخلا ماديا تحسن به معيشة أطفالها ومسكنها، اذ بها عند عودتها تكتشف ان زوجها تزوج بأخري، واستولي علي شقتها وكل مدخراتها، وهجرها لتموت كمدا، فافتقدت المرأة كل ضوابط الاحتمال أمام صدمتها، وانخرطت في تعاطي المخدرات لتنسي ما حدث، لكن الوعي الحاد المقترن بالعجز يدفع إلي الجموح، لذا راحت تخطط للانتقام من الزوج الخائن النذل. تراك سيدتي ترين ان انتقام الإنسان يتعري عندما يظلم، ويخدع، ويستباح، ولا يشفي غليله عدل أو انصاف؟ .