يتعرض قضاء مصر اليوم إلي حملة شرسة ومنظمة تهدف إلي تقويض أركانه وبث الفرقة والانقسام بين أعضائه في إطار محاولات مستمرة لضرب مصر واستقرارها. ولأول مرة في تاريخ هذا الصرح الشامخ تدور حرب بين رجالاته علي الفضائيات التي وجدت من قضية حل مجلس الشعب ساحة خصبة يتباري فيها بعض كبار رجال القضاء في اجتهادات قضائية وفتاوي قانونية تساهم في زيادة الحيرة والشك والريبة التي يعيشها الناس والتي تقربهم من لحظة انفجار لن يستطيع أحد أن يوقفها. لقد تنفس الناس الصعداء بعد انتخاب رئيس الجمهورية وسط توقعات وترشيحات كثيرة لرموز السلطة التنفيذية سواء نواب الرئيس أو مستشاريه وصولاً إلي رئيس الحكومة الجديد وأعضاء الوزارة الذين سوف يختارهم د. مرسي. لكن فجأة تحولت الدفة تماماً إلي قضية حل مجلس الشعب ومدي قانونية هذا الإجراء وتسابق البعض إلي رسم سيناريوهات مختلفة للفرقة والانقسام والصدام بين الرئيس والمجلس الأعلي للقوات المسلحة وتناسي الجميع المهام الصعبة الملقاة علي عاتق رئيس الجمهورية الجديد والمشاكل الملحة التي يجب مواجهتها ووضع الأولويات لها. والتي ينتظرها ويتوقعها الناس في أقرب وقت وسط معاناة وتحديات كثيرة يعيشونها يوميا. وقد بدا واضحاً للعيان أن هناك بالفعل أطرافا خفية تسعي لاستمرار حالة الصدام والشك والريبة والعودة إلي نقطة الصفر مرة أخري. ولأول مرة في تاريخ مصر تدور حرب إعلامية قضائية خرجت في كثير من الأحيان عن كل حدود اللياقة والكياسة والاحترام الذي يمثل ركناً أساسياً في تشكيل هيبة القضاء واستقلاله. إن الخلاف الدائر حالياً حول مجلس الشعب سوف يحسمه القانون في البداية والنهاية. وأعتقد أن اجتهادات رجال القضاء خاصة السابقين الذين تفرغوا للفضائيات لابد أن تنصب في اتجاه إيجاد الحلول وليس تأجيج المشاعر واستعراض المهارات والخبرات لأن تشكك المواطنين سوف يمتد للأسف الشديد إلي كل القضايا والأحكام. زعزعة سيادة القانون والقضاء تؤكد بالفعل أن هناك مؤامرة أكبر بكثير مما نعتقد أو نتصور وتتطلب منا جميعا أقصي درجات الحيطة والحذر. إن آجلاً أو عاجلاً سوف تنتهي مشكلة مجلس الشعب وخاصة بعد البيان الرئاسي الأخير الذي أكد فيه الرئيس احترامه الكامل قضاء مصر، وقد ارتضينا جميعاً بنتائج انتخابات الرئاسة والتي تحتم علينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً مع الرئيس الدكتور محمد مرسي، وأحكامنا المسبقة علي جماعة الإخوان المسلمين يجب ألا تكون قيداً وأغلالاً نتعامل بها مع الرئيس الجديد الذي أكد أنه سيكون رئيساً لكل المصريين. وهذه المقولة لا تحمل أي نوع من المبالغة لأن نجاح أي رئيس يعتمد أساساً علي التفاف الشعب كله من حوله، وأياً كانت أحكام البعض منا علي أداء المجلس العسكري فإن من الإنصاف لنا كمصريين أن نشد علي أيدي رجاله الذين واجهوا ظروفاً وتحديات صعبة وقاسية من أجل الإبقاء علي سفينة الوطن.. ولا أبالغ عندما أقول إن استمرار حالة العداء والتشنج ولغة الإسفاف والشعارات البالية تجاه قواتنا المسلحة تمثل حالة خطيرة من فقدان الثقة التي يجب أن نتصدي لها جميعاً لأن بناء مصر وتنفيذ أي مشروع للنهضة يحتاج بالفعل إلي أن تصبح مصر كلها يداً واحدة تحميها قوة قادرة علي الردع والدفاع عن أمنها وسيادتها. لقد طالبت الرئيس الدكتور محمد مرسي بدراسة تأجيل اختيار نواب الرئيس ودراسة إمكانية استمرار الحكومة الحالية ولفترة من الوقت تكون كفيلة بإتاحة الفرصة أمامه لدراسة كل الملفات والقضايا والتعرف بدقة علي حقائق الموقف الاقتصادي. إن أي حكومة جديدة يتم تشكيلها الآن سوف تواجه بعواصف من الرفض والتأييد من جانب كل القوي السياسية التي تحاول فرض وصايتها وأولها جماعة الإخوان المسلمين. كما أن الحكومة سوف تحتاج لفترة طويلة من الوقت لكي تبدأ عملها الفعلي خاصة أنها ربما تفاجأ بأوضاع وظروف اقتصادية واجتماعية أخطر بكثير مما تتوقع، وعلي النقيض يأتي تعجل المواطنين بالإصلاح وبطريقة مباشرة تنعكس علي ظروف حياتهم المعيشية ويلمسونها عن قرب وهو الأمر الذي قد لا تحققه أي حكومة جديدة بسرعة. وهنا تحضرني الإشارة إلي ضرورة عدم التوقف كثيراً أمام انتماءات رئيس الجمهورية لجماعة الإخوان المسلمين لأنها حقيقة واقعة لا يجب الارتكان إليها، بل العكس تماماً فإنني أؤيد أي خيارات للرئيس سواء من جماعة الإخوان أو حزب الحرية والعدالة فهم في البداية والنهاية مصريون ويمتلكون خبرات ومهارات يجب أن نجربها لكي تكون أحكامنا قائمة علي الواقع. وإذا كان الرئيس الدكتور محمد مرسي قد أعلن أنه رئيس لكل المصريين فإن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الأخوان مطالب بأن يعلي أيضاً شعار إنه يعمل لكل المصريين لتبدأ مصر مرحلة جديدة بعيداً عن التخوين والاتهامات بالعمالة ومحاولات الانتقام وتصفية الحسابات. مصالح مصر يجب أن تعلو وتسمو فوق كل وأي اعتبار. وقضاء مصر خط أحمر أُحذر من الاقتراب منه أو محاولة الوقيعة بين رجالاته بأي صورة من الصور. ولكي الله يا مصر من كل الذين يحاولون سرقة الأمل الذي نعيشه والذي يبدو حتي الآن أنه بعيد المنال.