مها عبدالفتاح النظام الديموقراطي وحرية الصحافة مترادفان يسيران يدا بيد، لذا نجد دولا تنص في دستورها علي حرية الصحافة لأن النص الدستوري هو الاكثر رسوخا ويقينا واستدامة تضمن الثبات وتقي من التعدي وتحمي من كل توجهات سياسية طارئة. الباحث في قانون الصحافة الحالي الذي رزئنا به وما عاد يليق بشعب خاض ثورة وأسقط نظاما ، ولو أي باحث الي جذور هذا القانون لاكتشف العجب ولعرف كيف حدث اختلاق مجلس للشوري ليوجد هيئة تمكن من - الوجهة الشكلية - من اسناد ملكية المؤسسات الصحفية اليها! فمنذ صدور قانون"تنظيم" الصحافة (تفاديا لكلمة تأميم) وعلي مضي السنين ، ورغم تغيير الكيانات والمسميات واصدار قانون جديد للصحافة عام 1980 الا انها لم تؤثر سوي علي غير شكليات وتسميات لم تمس في صميم اللب المستهدف الأساسي وهو الابقاء علي تبعية الصحف المؤممة المسماة بالقومية تابعة للسلطة الحاكمة ! ولأن التعددية في الرأي ووجود المنافسة المهنية هما من مباديء اساسية تغذي حيوية المجتمعات، وقبل أن يدفع أحد بحجة أن الحكومة تقدم دعما ماليا لبعض المؤسسات الصحفية.. نبادر ونعلم من لا يعلم ان الحكومات في اعرق الدول الديموقراطية تعمد الي تقديم الدعم المالي المباشر الي الصحف لتبقيها مستمرة فلا تغلق أبوابها في عصر الاتصالات الذي أتاح بدائل عدة... حكومة السويد علي سبيل المثال تقدم دعما ماليا للصحف التي تحتاج لدعم.. و فرنسا تدعم كافة الصحف من أقصي اليمين لاقصي اليسار بدعم مالي سنوي يبلغ 2 مليار يورو تضخها بلا اي شروط ولا متطلبات بالمقابل، حتي الضرائب علي الصحف جعلوها لا تتعدي نسبة 2٪ فقط كل ذلك لأن للفرنسيين وللاوروبيين عموما غيرة متوارثة علي كل ما له علاقة بحرية التعبير وتنوع الرأي.. فهذه تعددية تثري الفكرفي المجتمعات تستمد منه حيويتها ولياقتها بل قيمتها بين الأمم. مثل هذه الامور وغيرها عرضت ونوقشت في الندوة الدولية التي عقدتها صحيفة الاهرام العريقة في مستهل العام الحالي كفكر مشترك مشهود وبصوت عال نوقش من خلاله مآل الصحف القومية بعد ثورة 25 يناير... ما يهمنا الآن ما تم التوصل اليه في النهاية كخطوة تالية تؤدي للتخارج من قانون صحافة تعتق وتعشق في عضم المؤسسات الصحفية علي مضي الاعوام، وحان وقت تخليصها أو تحررها من قوانين التبعية للحكم.. اتفق في النهاية علي ألا يحدث تفكيك غير مأمون العواقب يأتي دفعة واحدة، كما أن ابقاء الوضع علي حاله غير طبيعي ومهين فاتفق علي أن تكون الخطوة التالية انشاء كيان مستقل أو " مجلس وطني " يتولي الأمر وتخول له صلاحيات التنظيم ووضع المعايير المرجعية واصدار التراخيص ، علي أن يشكل من اعضاء يختارون من الشخصيات العامة ومن عناصر مهنية... بقي شيء أخير يهدف ليشيع الثقة و الاحترام المتبادل والثقة بين الصحفيين والمسئولين في الحكم ايا من يكونون وهو تعديل المواد المبعثرة بين قوانين العقوبات ولا تقل عن 42 مادة في مجملها بكل منها ما يكفي فتح باب لحبس الصحفيين في قضايا تعبير ونشر! ..لأن العاقل من يمعن النظر في النقد حتي للانتقاد الذي قد لا يخلو ولو من ذرة حقيقة لذا يستوقفني الرأي الذي يتردد كثيرا في تعليقات العالم الخارجي حول ثورة الربيع المصري فيقال : أسقطت نظاما لكنهم لم يسقطوا نهج التفكير السائد لديهم بقي كما كان ! لا أملك الا ان تستعيد ما يرددونه مع هذا الذي يحدث للصحفيين هذه الأيام مع مجلس شوري - ما بعد ثورة 25 يناير - الذي يريد ممارسة ما يراه من حق له كمالك للصحافة ! ولا كأن ثورة قامت ولا حزب وطني قد انحل، أو كمن يقول أنا المالك المتمكن أنا الوريث فهل من منازع ؟! الباحث في جذور قانون ملكية مجلس الشوري للصحف القومية سيجد عجبا.. سيكشف أن مشروعا آخر لقانون صحافة يليق بهذه الامة العريقة قد سبق وتم اعداده و لكن.. لم يقدر له ان يري النور أو بالاصح أفرغ من مضمونه واسمعوا حكاية مجلس الشوري مع الصحافة القومية من اولها كما سمعتها بناء علي طلبي منذ نحو عام أي قبل تواجد مجلس الشوري الحالي وسمعتها مباشرة من طرف رئيسي - واعيد قبل عام من السياسي النزيه المحترم " منصور حسن ". وتبدأ الحكاية من عام 1980 عندما قرر الرئيس السادات أن يصدر قانونا جديدا للصحافة وكان قد حل الاتحاد الاشتراكي المتملك للصحف منذ تأميمها ، فقام السادات رحمه الله بتكليف منصور حسن وزير الاعلام والثقافة ورئاسة الجمهورية ذلك الحين باعداد القانون الجديد... والذي يطلع في يومنا هذا او يعرف ما أعده منصور ذلك الحين يدرك انه يكاد يصلح بحذافيره لأن يطبق في هذه الآونة.. انما الذي حدث أن القيادات الصحفية يومها اعترضت بشدة علي القانون عندما اطلعوا عليه وتكتلوا في اقناع الرئيس السادات بأنه كفيل بعرقلة رسالة الصحافة واهدافها ، ولا غرابة فقد بني القانون علي صيغة مرفوضة منهم وتبدأ بالانتخاب... وليس انتخاب رئيس التحرير بل تتولي الجمعية العمومية التي تشمل جموع الصحفيين العاملين في الصحيفة انتخاب مجلس الادارة من بينهم... بعدها يتولي مجلس الادارة انتخاب رئيس المجلس من بينهم وهم يختارون معا رئيس التحرير الجديد... استطاعت القيادات الصحفية اقناع الرئيس السادات وتم افراغ القانون من مضمونه الاساسي وهو الا نتخاب واستمر نظام التعيين! عند هذا الحد كان لزاما البحث عمن تكون له الملكية الصورية طبعا.. وتابعوا الآتي : ودار البحث عن جهة ما او عنوان ذي قيمة وبلا مضمون ، كأن يكون هيئة ما أو مجلسا بلا اختصاصات محددة ويفضل ان يكون ذا وقع وصدي تشريعيا وبلا سلطات ايضا أقرب الي" مكلمة " مشروعة وتتجمع في مكان... وطرحت مقترحات شتي الي أن تفتق الذهن علي الرأي القائل إن ايجاد مجلس للشوري هو الحل الأمثل وراقت الفكرة للرئيس السادات.. وهكذا خرج الي الوجود مجلس الشوري هذا لتلحق به ملكية الصحف المؤممة التي كانت تابعة للاتحاد الاشتراكي الذي انحل... ننتقل الي الوقت الراهن ، فاذا كان طريق الانتخاب هو الطريق المشترك الاعظم لاختيار القيادات في النظم الديموقراطية ، يبقي "مآل الملكية " وعموما ولضيق المساحة أمسك عن اراء قيمة سمعتها منه في هذا الشأن ختمها بقوله: هذه امور تسند الي الخبراء الاقتصاديين لدراسة تفاصيلها يختار منها الوضع الامثل الذي يحافظ علي استقلالية الصحف وتحقيق الناتج الاقتصادي.