وكأن المصريين كتب عليهم ألا يفرحوا أبدا.. فما أن أصبح الشفاء من مرض فيروس الكبد حلما يراود الملايين بعد استيراد مصر «السوفالدي»، حتي حول جدل فاعلية هذا الدواء حلم الشفاء إلي نيران حرقت معها آمال المرضي.. الجدل بدأ بتصريح صادر عن نقيب الصيادلة قال فيه أن لجنة مكافحة الفيروسات الكبدية، اعتمدت بروتوكولات خاطئة للعلاج ب «السوفالدي» ، بالإتفاق مع شركات الأدوية، ليكون المصريون بمثابة فئران تجارب، وواجه مسئولو اللجنة من جانبهم هذا التصريح بغضب شديد، وقالوا أنه «يفتي فيما لا يعلم».دخل المركز المصري للحق في الدواء علي خط الأزمة، وانضم إلي نقيب الصيادلة في معركته، وقال في تقرير أصدره أن السوفالدي تنص البروتوكولات الدولية المعتمدة للعلاج به ، علي ألا يتم استخدامه "ثنائيا"، معتبرا أن استخدامه بهذا الشكل يحول المصريين لفئران تجارب. المفارقة، أن نيران الجدل المثار حاليا بين الاتهام والرد الحكومي، والذي تنفخ فيه برامج "التوك شو"، تم علاجه في شهر مايو الماضي، بإعتماد بروتوكلات جديدة لا تثير هذا الجدل. وتري الجهات المنتقدة لبرتوكلات العلاج السابقة، أنهم يثيرون الأزمة حاليا، حتي يحاكم المقصرين، وحتي لا تكرر لجنة الفيروسات الكبدية خطأها لأنها غيرت بروتوكلات العلاج بعد أن "خربت مالطة"، ولكن في المقابل فإن المريض المصري لا تعنيه كل هذا التفاصيل، وأصابه هذا الجدل بارتباك فقد معه الثقة في "السوفالدي"، مع أن المشكلة ليست في هذا الدواء، ولكن في بروتوكلات العلاج به. د.علي عز العرب مستشار المركز المصري للحق في الدواء شدد في تصريحات خاصة للأخبار علي حقهم في الكشف عن خطايا لجنة الفيروسات الكبدية، لأن الأمر في النهاية يتعلق بصحة المريض. ويقول د.عز العرب، والذي شارك مؤخرا في حلقة ببرنامج "بوضوح" علي قناة الحياة مع الإعلامي " عمرو الليثي": " خلال الحلقة انتزعنا اعترافا من عضو لجنة الفيروسات الكبدية حول أن بروتوكول العلاج القديم بالسوفالدي تم تمريره دون تصويت من أساتذة الكبد، وهذا في حد ذاته مخالفة تستوجب العقاب". وتساءل عز العرب: " إذا لم نقم بدورنا في كشف الخطأ، فسوف يتكرر، وتضيع حقوق مرضي، بسبب تعنت مسئولي وزارة الصحة". وعن الخطأ الذي ارتكبته لجنة الفيروسات الكبدية، قال عز العرب: " دعي 100 أستاذ كبد في أغسطس من عام 2014، لعمل تصويت حول بروتوكول العلاج بالسوفالدي، ولكن ما حدث أن أساتذة الكبد أبلغوا في يوم التصويت، أنه لن يكون هناك تصويت، وطلب منهم ارسال تقييمهم لبروتوكول العلاج خلال ثلاثة أيام، وفي نفس اليوم الذي أبلغوا فيه بذلك، أعلن أعضاء لجنة الفيروسات الكبدية خلال اجتماع مع وزير الصحة موافقتهم علي بروتوكول العلاج". علاج ثنائي ويتكون بروتوكول العلاج الثنائي الذي أقرته اللجنة من حبوب السوفالدي بمعدل قرص يوميا، وكبسولات الريبافيرين بعد طعام الإفطار والعشاء، بحسب وزن المريض، بينما كان أطباء الكبد يرون وفق إطلاعهم علي أبحاث الجمعيتين الأوربية والأمريكية للكبد أن البروتوكول لابد أن يكون السوفالدي مع الهارفوني. ويقول د.عز العرب: " هذا البرتوكول الذي استمر من 16 أكتوبر 2014 حتي إبريل 2015، تسبب في انتكاسة لعشرات المرضي، وهؤلاء المرضي بدلا من أن يكونوا قد أصبحوا أصحاء، انتكست حالتهم وسيخضعون للعلاج بالبروتوكول الجديد، الذي تم إقراره في مايو 2015 ". ويتكون البروتوكول الجديد للعلاج من أربعة أدوية تضاف إلي السوفالدي، وهي " الكلاتازيف" أو "الهارفوني" أو " الكيوريفو" أو " الإوليسيو". ويضيف: " من يتحمل تكاليف علاج المرضي الذين انتكست حالتهم بالبروتوكول الجديد، ومن يتحمل مسئولية انتكاستهم صحيا وهذا أهم من التكاليف المادية، وكل ذلك بسبب تعنت لجنة الفيروسات الكبدية، وتمسكها برأيها، لأساب غير معلومة ". مصالح شخصية ما قال عنه د.عزب العرب أنه " أسباب غير معلومة"، كان د.مجدي عبيد، نقيب الصيادلة أشد صراحة في التعبير عنه، واتهم أعضاء لجنة الفيروسات الكبدية في تصريحات تليفزيونية، بالحصول علي أموال من الشركة المنتجة ل "سوفالدي" نظير تمرير بروتوكول العلاج. وقال نقيب الصيادلة، إن النقابة أرسلت إنذارا علي يد محضر لوزير الصحة ولجنة الفيروسات الكبدية، متهما إياها بأنها استخدمت المرضي المصريين وعددهم 15 مليون مريض، كحقل تجارب لأدوية الشركات العالمية. ولفت إلي أن بروتوكول العلاج الذي وضعته الوزارة "خاطيء" باعتراف عالمي، مضيفا: أن " العلاج الثنائي ب(سوفالدي)، مع (ريبافرين)، خطأ اعترف به معهد الكبد البريطاني". زعزعة الأمن القومي وعلي قدر ضراوة الهجوم، كانت ضراوة الدفاع من لجنة الفيروسات الكبدية، وقالت د. منال السيد، عضو اللجنة القومية للفيروسات الكبدية، إن تصريحات نقيب الصيادلة، غير مسئولة ومن شأنها زعزعة الأمن القومي وتشكيك المرضي في العقار. وعلي عكس ما قاله نقيب الصيادلة، أكدت عضو لجنة الفيروسات الكبدية، علي أن بروتوكول العلاج حقق نسبة شفاء جيدة. وشددت عضو الفيروسات الكبدية، في تصريحات صحفية، علي أن أعضاء اللجنة لن يصمتوا علي تلك الإتهامات غير المبررة وغير المعلوم أسبابها، وسيتم تقديم بلاغ ضد مروجي الإتهامات، كما سنتهمهم بمحاولة زعزعة الأمن القومي. كلام غير علمي ووصفت د.سماح رجب مدير عام تسجيل الأدوية، الحديث عن انتكاسات صحية بسبب بروتوكول العلاج القديم بالسوفالدي بأنه "غير علمي". وقالت د.سماح في تصريحات خاصة للأخبار: " اعتماد تسجيل الأدوية في الوزارة يتم استنادا إلي نتائج التجارب الإكلينيكية التي أجريت علي الدواء في الخارج، وهذا أبلغ رد علي من يقولون أن المريض المصري يستخدم كحقل تجارب". وتابعت مدير عام تسجيل الأدوية: " إضافة إلي هذه الدراسات، فإن هناك إجراءات متابعة ما بعد التسويق التي نطلب من الشركات إجراءها بعد فترة من استخدام الأدوية في السوق، وهذه الدراسات لم ترصد أي شيء مختلف، عن ما هو موجود في نشرة الدواء المعتمدة لدي تسجيل الدواء". ويؤكد د.عمرو سعد رئيس مركز اليقظة الدوائية بوزارة الصحة، علي ما قالته مدير عام تسجيل الأدوية. وقال د.سعد للأخبار: " نتائج المتابعة التي وصلتني لا تظهر أي اختلاف بين ما هو مثبت في نشرات الأدوية، وبين ما يحدث للمرضي بعد استخدام الدواء وفق البروتوكول القديم". وأوضح رئيس مركز اليقظة الدوائية بوزارة الصحة أن دواء الهارفوني، والذي يقول المنتقدون أنه كان ينبغي اضافته لبرتوكول العلاج، لم يكن متوافرا وقتها. وأضاف ساخرا: " هم يحاسبوننا علي أننا لم نستخدم الطائرة، بينما لم يكن استخدام الطائرة متاحا وقتها". وشدد علي أن سوق الدواء يشهد تطورا سريعا، لاسيما في مجال أدوية الكبد، مشيرا إلي أنه بدلا من توجيه الشكر للجنة فيروسات الكبد التي غيرت البروتكول القديم إلي بروتوكول أفضل بعد ظهور أدوية جديدة، نوجه الإتهامات لها. أوقفوا الجدل وفي ظل هذا الجدل المحتدم حول بروتوكلات العلاج القديمة ب " السوفالدي"، يقف المريض حائرا، بعد أن أفقده هذا الجدل الثقة في أي علاج. رضا عبد القادر، يعاني من فيروس الكبد "c " منذ ثلاث سنوات، فقد خلالها الأمل في الشفاء، إلا أن جاء خبر استيراد العلاج الفعال "السوفالدي" ليرسم بسمة غابت خلال الثلاث سنوات الماضية عن وجهه. وبينما كان عبد القادر يستعد للذهاب للحصول علي أول جرعة من دواء "السوفالدي" وفق برتوكول العلاج الجديد، ساقه القدر مساء اليوم السابق لموعده لمتابعة جدل في أحد برامج التوك شو بين نقيب الصيادلة وعضو في لجنة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة حول فعالية برتوكول العلاج القديم، ليتخذ في نهاية الحلقة قراره: " لن أذهب غدا للعلاج". وتحولت ابتسامة الأمل في وجه عبد القادر إلي دموع حزينة حاول أن يكتمها، ولكن لم يتمكن من السيطرة عليها، وهو ينظر لطفله الصغير، الذي تمني أن يكون هذا الدواء سببا من الله في شفائه حتي يتمكن من رعايته والوصول به إلي بر الأمان. ومثل عبد القادر ملايين المرضي، الذين أفقدهم الجدل حول بروتوكول العلاج القديم، الرغبة في العلاج، وهي الحالة التي لخصتها مريضة، يبدو أن لديها قدرا كبيرا من الثقافة. قالت المريضه وتدعي هدي فهمي: " استطيع أن أعرف بما لدي من وعي ، أن هناك مشكلة كانت في طريقة العلاج القديمة بالسوفالدي، ولكن ألا يعلم مثيرو الجدل حاليا، أن هذا الجدل يحرق الأمل في نفس المريض". وتابعت هدي: " محاسبة المقصرين في اختيار بروتوكول العلاج القديم، تتولاها الجهات الرقابية، ولا يجب مناقشة الموضوع بهذا الشكل في وسائل الإعلام، حتي لا تحدث بلبلة لدي المرضي".. فهل يوجد من يستمع لهدي؟ في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة.