العدل والسلام تعانقا بنعمة الله، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك، إلي أخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلي أبنائنا الأعزاء القمامصة والقسوس، الرهبان والراهبات والشمامسة، وإلي جميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر وبلاد المهجر.. النعمة والبركة والسلام الرحمة والحق تلاقيا، العدل والسلام تعانقا ( مزمور 84: 11) أولاً : الرحمة والحق تلاقيا يفيض الكتاب المقدس بعبارة «الرحمة الإلهية» فالله هو خالق البشر وهو الذي يرحم الجميع وبدون رحمته ومغفرته لا تستقيم الحياة، يصلي داود النبي «أرحمني يا الله كعظيم رحمتك» (مزمور: 50) ويُعلن الله صراحة: أني أريد رحمة لا ذبيحة (هوشع6:6، متي 9:13) وأعظم ثمرة للرحمة هي العدل. ووضع لنا المسيح شريعة المحبة مقترنة دائماً بشرعة الحق، لا مغفرة للإنسان إلا إذا غفر لأخيه الإنسان هكذا في العهد القديم والجديد ( يشوع بن سيراخ 28:2، متي 6:14) فالدينونة الأخيرة مقياسها أعمال الرحمة لكل إنسان دون تمييز (متي 25: 35 ) ولأن المسيح قد أعلن أن الحق يحرر الإنسان (يوحنا 8 : 36) لذا جاء هو الطريق والحق والحياة (يوحنا 14 : 6) ينبوعاً للرحمة لجميع المحتاجين وناصرا للحق. فلا يحق لإنسان أن يدين إنسانا ومن كان بلا خطيئة فليرجم الخاطئ بحجر (يوحنا 8 : 7). وقد أعلن قداسة البابا فرنسيس تكريس سنة 2016 يوبيلا استثنائيا، لأفعال الرحمة في كل أنحاء العالم. وتقوم في أن يعيش الإنسان في أسرته رحيماً بها، وفي عمله رحيماً بمن حوله، وفي كل سلوكه رحيماً يسعي إلي الحق. يظن كثيرون ويعلنون أن قضية العالم ومشكلته هي الاقتصاد، نعم ولكن العالم قبل السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا يحتاج إلي الرحمة واحترام الحقوق لكل إنسان في كل نواحي الحياة، فإن كانت المحبة أعظم من الإيمان ( رسالة كورنتوس الأولي 13 : 13 ) فالرحمة والحق اعظم من كل الثروات. وقد حقق المسيح الرحمة بحياته وبتعاليمه، وأنار لنا طريق الحق وعلي العالم أن يتخذ من تعاليمه نوراً ونبراساً له. يقول قداسة البابا: «أود أن أؤكد بكل حماس بأن سبيل العنف والكراهية لن يحل قضايا الإنسانية وإن استخدم اسم الجلالة - الله - ذريعة لهذا السبيل فهذه إهانة لله تبارك وتعالي». إن رحمة الله الواسعة نموذج لحياتنا لكي نكون رحماء مع بعضنا البعض ومع كل إنسان. لقد أُعلنت سنة 2016 سنة الرحمة، لأن الأسرة البشرية في العالم كافة في أشد الحاجة إلي الرحمة والغفران والتسامح، وفي الثامن من هذا الشهر قام قداسة البابا بفتح باب اليوبيل في كنيسة القديس بطرس بروما كرمز لفتح قلوبنا لنيل رحمة الله وغفرانه بالتوبة وممارسة سر الاعتراف والمصالحة وتجديد حياتنا وسلوكنا، وانفتاح حياتنا علي الاخر الذي نعيش معه، في الاسرة وفي كل مجتمع وجماعة نعيش فيها، فيكون للانسان الاخر قيمة ومكان في حياتنا. فالرحمة ليست مجرد عواطف وشفقة لرؤية من يعاني ويتألم، وإنما تقوم في أن أكون أكثر إيجابية وأن أفتح قلبي وعقلي لكل إنسان ولا أتكاسل عن عمل الخير، فالابتسامة رحمة والإصغاء للآخر باحترام رحمة ومساندة الضعفاء والفقراء علي المستوي الانساني والروحي والاقتصادي رحمة، والامانة والصدق في أي عمل تقوم به رحمة لأنه يساهم في بنيان عالم أفضل. إننا إذا تأملنا بعين الإيمان أحوال عالمنا، غلب علينا الحزن والألم أمام مأساة هذا العالم وبخاصة مأساة منطقتنا العربية، دمار وخراب، لاجئون يهيمون علي وجوههم طالبين المأوي والأمان، وكان مشهد العائلة المقدسة اللاجئة إلي مصر هربا من بطش هيرودس يتكرر كل يوم. الإنسان يتعذب، فهل نرأف به؟ هل نسقط القسوة والظلم من حياتنا؟ انها رسالة كل مؤمن حقيقي في هذه الأيام الصعبة أن يخفف آلام من يعانون، وان يكون قناة لرحمة الله، هذا هو معني سنة الرحمة. ثانياً : العدل والسلام تعانقا نصلي دوماً» أرحمنا يا الله» (وهذا معني كلمة كيرياليسون). إن كان الله أرحم الراحمين فأنه القدوس العدل، والعدل يؤدي إلي السلام. إن تجسد الكلمة دليل إلهي علي قيمة الانسان والحياة الإنسانية، والله يحب ويحترم كل إنسان خلقه علي صورته ومثاله، فليس إنسان يكون موضوعا للاحتقار، وليس من حق اي إنسان أن يدوس علي حقوق الإنسان الآخر. تهنئة صادقة للجميع مع أمنيتي ان تكون حياتنا تجسيداً للرحمة والحق وللعدالة والسلام.. وكل عام وأنتم بخير.