تجتاز مصر الآن لحظات سوف يقف التاريخ طويلا أمامها، سواء فيما انتهت إليه أول تجربة ديمقراطية حقيقية لاختيار رئيس جديد، أو نتائج هذا الاختيار وتأثيراته وتفاعلاته. وأيا كان اسم الرئيس الجديد، يجب ان نفخر جميعا بأنه جاء نتيجة اختيار حر، يفرض عليه من الأعباء أكثر بكثير مما يمنحه من مزايا. أكتب هذه الكلمات في ختام الانتخابات الرئاسية، والتي تؤكد كل الدلائل والشواهد انها ستدخل المرحلة الثانية في جولة الإعادة، التي أتمني من كل قلبي ان تمر بسلام، لتنهي مصر حقبة صعبة في تاريخها لتبدأ مرحلة جديدة من البناء، والذي تحيطه مشاكل وتحديات وصعاب كثيرة تفرض علينا جميعا مزيدا من التوحد وعدم الفرقة والانقسام، لكي نكون أكثر قدرة علي المواجهة. ففي دوامة التغيير شهدت مصر عديدا من محاولات التدخل السافر في شئونها، بل الإخلال الواضح بأمنها وسيادتها، والذي بدا واضحا في حجم الأسلحة التي يتم تهريبها يوميا إلي داخل الحدود، والتي تم اكتشاف العديد منها، بالإضافة لحجم التمويل المالي المشبوه سواء الذي تم لأفراد أو لقوي سياسية. ناهيك عن الأحداث التي أعقبت ثورة يناير مباشرة. واعتقد جازما ان توقيت استخدام هذه الأسلحة والأموال لم يحن بعد!! وانه من المغالطات الكبري ان نربطه فقط بتوقيت الانتخابات.. وإذا كان البعض يعتقد أن اختيار الرئيس الجديد وانتهاء المرحلة الانتقالية لتسليم السلطة يعني نهاية الأزمة، فإن كل الحقائق علي الأرض تؤكد أن الأزمة الحقيقية قد بدأت!! هنا أعود إلي التأكيد علي ضرورة القضاء علي روح الانقسام والفرقة والاقصاء والتحزب الأعمي. لأن الخسارة هنا لا تتعلق بأشخاص أو أحزاب وقوي سياسية ولكنها تتعلق بوطن كامل ظل لآلاف السنين نبعاً ونبراسا للحضارة والريادة. كلنا مصريون في البداية والنهاية.. وكلنا مطالبون بأن نؤكد للعالم كله -الاعداء قبل الأصدقاء- بأننا جديرون بتلك الحضارة، وامتلاكنا القدرة علي المشاركة في عالم جديد نمتلك فيه كل الأدوات وعناصر القوة التي تعلي مصالحنا وتحميها. لقد تابعنا جميعا عمليات الكشف عن حجم الأسلحة المهربة ونوعيتها، من خلال ما يتم الاعلان عنه، والذي ينحصر فقط في أعدادها أو كمياتها دون ان يتطرق أي منا إلي الأهداف الحقيقية وراء عمليات التهريب؟! ومن يقوم بها؟! وحجم الأسلحة التي تم تهريبها دون الكشف عنها؟! ناهيك عن الأسلحة والذخائر التي تم تهريبها خلال عمليات اقتحام أقسام الشرطة والسجون، والتي تؤكد ان هناك بالفعل ترسانة خفية من الأسلحة، لا اعتقد انها تعود لمهربين وتجار أسلحة بقدر ما اعتقد أنها جزء من مؤامرة لم يحن بعد وقت تنفيذها. هذا التوقيت سوف يرتبط بدون أي شك بخطواتنا لتحقيق المصالحة الوطنية بين كل فئات وأطياف المجتمع، والبدء في عملية البناء وتضميد افرازات التناحر والخلاف، وحالة الفوضي العارمة التي عاشتها مصر في اعقاب ثورتها السلمية. وإذا كانت الحكومة قد أعلنت منذ عدة شهور عن عمليات التمويل لبعض المنظمات، بالإضافة لحجم التمويل الضخم الذي تم لبعض القوي السياسية، فإن الحقيقة تؤكد ان ما تم اكتشافه أو الاعلان عنه لم يكن إلا بمحض صدفة وأن ما لم يتم اكتشافه أكبر بكثير. كما أن الهدف من هذا التمويل المشبوه لا يتوقف فقط امام استخدامه في عمليات الدعاية، وإنما يرتبط ارتباطا مباشرا بعمليات تهريب الأسلحة، وفي إطار مخطط ومؤامرة هدفها اسقاط مصر. السلاح والمال والفوضي وروح الانقسام، تمثل أرضا بكرا أمام كل الحاقدين والموتورين الذين يسعون لتصفية حسابات واعاقة أكبر قوة عربية عن أداء دورها في حفظ الأمن العربي والاقليمي، ووقف مخططات التقسيم التي ستبدأ في الانتشار كما تنتشر النار في الهشيم داخل المنطقة. هنا تحضرني في تلك اللحظة التحية العسكرية التي أداها اللواء الفنجري لشهداء ثورة يناير.. والمعني والمغزي منها.. وقد تحولت إلي لحظة تحفظها ذاكرة التاريخ المصري الذي يسجل لقواتنا المسلحة سطوراً جديدة تستحق منا الفخار والاعتزاز والثقة. تحضرني ذكري الشهداء الابرار الذين حملوا لواء الثورة في أيامها الأولي، وقبل ان تنقض عليها فلول البلطجة والهمجية وقوي الظلام. وبين الصورتين تأتي النجاحات والاخفاقات والتي تتجه كلها إلي حقيقة واحدة وهي الاداء البطولي لقواتنا المسلحة وكل رجالاتها، الذين أوفوا بالعهد والقسم بأن يكونوا حماة لثورتها وشعبها ليقودوا أكبر مسيرة للتحول الديمقراطي. ترتسم في ذاكرتي وخيالي اللحظة التي سيؤدي فيها الرئيس الجديد القسم.. ونحن نبادلها بتحية خاصة لقواتنا المسلحة.. نعتذر فيها عما بدر منا تجاه رجالاتها وفي لحظات مشحونة بالغضب والتوتر. وأعتقد ان تحيتنا لرجال قواتنا المسلحة وقادتها سوف تكون في أفضل صورها وأشكالها عندما نؤكد جميعا اننا بالفعل معها ومن خلفها »يد واحدة« أمام أي مؤامرات تحاك لمصر. في تلك اللحظة تحضرني صورة المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وكل قادة المجلس العسكري.. وجبال الصبر المر التي تعاملوا بها مع كل السخافات والمهاترات.. والتي اثق انهم لم يعيروها أي اهتمام بقدر اهتمامهم بتعويم سفينة الوطن الذي يتعرض للغرق وفي نفس الوقت اليقظة والحذر من محاولات المساس بمصر وسيادتها. نعم نخطئ كثيرا ان كنا نعتقد أن اختيار الرئيس الجديد هو نهاية المطاف. فكل الحقائق تؤكد أنه البداية لمواجهة طوفان الحقد الأعمي الذي يتربص بمصر وشعبها. لاتعظيم سلام ولكن كتفا سلاح!!