تساورني شكوك كثيرة في أن مصر سوف تواجه خلال الأيام القادمة ظروفا صعبة، تفرض علينا جميعا اليقظة والحذر، واعني بذلك تحديداً »الأمن القومي«. شكوك تتزايد مع تجدد حمي التعصب السياسي الأعمي الذي يستهدف النيل من وحدة المصريين وتماسكهم. وإذا كان المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، قد أعلن بوضوح قدرة مصر علي ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر وسيادتها، إلا أن الأوضاع الداخلية والتناحر المريب بين القوي السياسية، وحالة الشتات التي يعيشها المصريون تؤكد ان ما نطلق عليه الجبهة الداخلية لاتزال بعيدة كل البعد عن حقيقة المخاطر، التي قد نواجهها خلال الفترة القادمة. حدث ذلك بعد أن وقعت فريسة لبعض القوي التي تمادت إلي حد الاساءة لقواتنا المسلحة وجرها إلي مهاترات لاطائل منها، وسندفع جميعا ثمنها. لا يجب بأي حال من الأحوال ان نتناسي أو نغفل خطورة التحركات الإسرائيلية علي جبهة المواجهة، والتي سبقتها تحذيرات من وجود ما اسموه بخلايا إرهابية في سيناء. لا يجب بأي حال من الأحوال ان نغفل حقيقة التحولات الكبيرة التي حدثت في المنطقة، والتي سوقها الغرب لنا تحت اسم ثورات الربيع العربي، وما أحدثته داخل مجتمعاتها وتأثير ذلك علي الأمن القومي المصري، والذي تتعدد جبهات مواجهته. يحدث ذلك متزامنا مع محاولات كثيرة للتدخل الأجنبي في العديد من الدول، تحت شعارات تشجيع التحول الديمقراطي، والتي حولت عديدا من الدول العربية إلي ساحة خصبة لأجهزة المخابرات العميلة، والتي ترصد بكل الدقة تأثيرات هذه الثورات، بل تعمل جاهدة علي حدوث حالة من الانشقاق والتناحر والخلافات الداخلية. ان نظرة سريعة علي ما حدث في الدول المجاورة تؤكد حقيقة مصرية هامة، ومكسبا كبيرا يحتم ضرورة المحافظة عليه وعدم التوقف أمام أي مشاكل مؤقتة، أو أحداث عارضة قد تواجهه، وهو التماسك الكبير الذي ظهرت به المؤسسة العسكرية المصرية، والتي يتصدر قيادتها اليوم مجموعة من خيرة قادتها، كانوا كلهم من رجالات النصر الذي تحقق في أكتوبر 3791.هؤلاء الرجال الذين يقودون مصر إلي ديمقراطية حقيقية، يشارك فيها كل فئات الشعب. لقد تأكد بما لا يدع مجالا لأي شك ان موقف التلاحم الكبير بين القوات المسلحة والشعب المصري كان وراء نجاح ثورة يناير، عندما انحازت تلك القوات لرغبة شعبها ومطالبه بالتغيير وفتح أبواب الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة. كانت تلك الوقفة تجسيدا لحقيقة تنفرد بها المؤسسة العسكرية المصرية، وعبرت عنها شعارات شباب الثورة وكل أطياف الشعب المصري وهي »الجيش والشعب ايد وحدة« وهو الشعار الذي تم تجسيده علي الواقع وطوال الشهور الأولي للثورة، ولايزال حتي اليوم في عقل ووجدان قواتنا المسلحة والتي تحملت الكثير من الاعباء التي تعود كلها إلي حالة الفوضي العارمة التي شهدتها مصر، بسبب التناحر بين القوي السياسية التي قفزت كلها علي ثورة يناير وتحاول تفريغها من مضمونها. شهدت مصر حالة من الانفلات الذي تم التعامل معه بأقصي درجات ضبط النفس، في إطار فهم واضح وعميق لحقيقة المخاطر المحدقة ببلادنا، والتي تتربص الآن علي كل حدودنا. كان من الضروري أن تحاول القوي المتربصة بمصر إحداث حالة من الانشقاق داخل الكيان المصري، الذي حقق أكبر ثورة سلمية في التاريخ.