أمام السقطات القاتلة في ادارة ملف السياسة النقدية لمصر لم يكن هناك مفر من تخلي هشام رامز عن منصبه كمحافظ للبنك المركزي باعتباره مسئولا عما لحق بالمسيرة الاقتصادية. ما حدث كان محصلة اخفاقات أدت الي أضرار بالغة بالاقتصاد القومي. من واقع ما شهدته الساحة الاقتصادية من اضطرابات وعدم استقرار يمكن القول ان التعامل مع متطلبات هذه المسئولية اتسم بالتخبط والعشوائية والافتقاد غير المتوقع للحرفية والخبرة. كان من الطبيعي الاحساس بحتمية هذا التغيير تجاوبا مع متطلبات معالجة ما تعاني منه الاوضاع الاقتصادية. ما جري يدفعنا الي المقارنة بين نتائج ادارة فاروق العقدة للبنك المركزي وما تحقق من انجازات مشهودة وملموسة وما شهدته فترة تولي هشام رامز لهذه المسئولية. كان هناك امل ان يسير رامز علي نفس المنوال مستكملا هذه المسيرة الناجحة والمبهرة التي صاحبت الفترة الذهبية لرئاسة العقدة. علي هذا الاساس فانه لا يمكن تناول قرار رحيل هشام رامز وما ارتبط به من عدم توفيق في معالجة المشاكل النقدية دون أن نتذكر نجاحات وانجازات فاروق العقدة التي انعكست ايجابا علي الاوضاع الاقتصادية بشكل عام آنذاك. في هذا الشأن فانه ليس خافيا ان العقدة تولي هذا المنصب في بداية الالفية الثالثة في عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك في ظروف اقتصادية صعبة ومعقدة. كان الجنيه المصري قبل تعيينه يتعرض لحملة شعواء استهدفت اسقاط قيمته. انه وفي اطار نجاح سياساته النقدية الفاعلة تمكن من ان يعيد للجنيه المصري مكانته وهيبته وان يوقف انهيار قيمته. استطاع «بمعلمة» أن يوجه الضربات الموجعة لتجار العملة في السوق السوداء وهو ما حمّلهم خسائر فادحة جعلتهم يستسلمون لما يريد. كان من نتيجة هذه الاجراءات استعادة الجنيه لتوازنه والقضاء تماما علي السوق السوداء لتصل قيمته لما لا يتجاوز ستة جنيهات وخمسة وعشرين قرشا في مقابل الدولار بالبنوك ومحلات الصرافة علي السواء. هذا الانجاز قضي تماما علي الاشاعات والتوقعات التي كانت تتردد بوصول قيمة الدولار الي عشرة جنيهات. اما غزوة العقدة الثانية لصالح الاقتصاد القومي فقد تمثلت في انقاذ البنوك المصرية من اثار الازمة الاقتصادية العالمية وتجنيبها خطر الانهيار. جري ذلك مصاحبا لخطة شاملة لتحديث هذه البنوك لتصبح منافسة للبنوك الاجنبية. نجاحه في هذه المهمة كانت له انعكاسات ايجابية لصالح استقرار اوضاع الاقتصاد الوطني. ساهمت هذه السياسات في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الي 8٪. لقد ظلت ادارة العقدة للسياسات الاقتصادية والنقدية مستقرة رغم حالة الفوضي وعدم الاستقرار التي كانت وليدة ثورة 25 يناير. ان ما يثير الحزن والاسي ان هشام رامز تسلم منصب رئاسة البنك المركزي بعد استقالة العقدة توجسا من المخططات الاخوانية المتآمرة. كانت محصلة ذلك تبديد كل الانجازات التي تحققت. ليس هذا فحسب وإنما كان للسياسات والاجراءات التي تم تبنيها آثار سلبية وضارة علي مجمل أحوالنا الاقتصادية. خير دليل علي ذلك.. العشوائية والتخبط في معالجة نزعات التآمر علي الجنيه المصري. . باللجوء الي الخفض المتوالي لقيمته وهو ما ترتب عليه موجة من الازمات التي شملت تصاعد اسعار الاحتياجات المعيشية للمواطن. يضاف الي ذلك ونتيجة لخفض الجنيه اضطراب عمليات الاستيراد والتصدير التي اتخذت منحي التسيب وعدم الانضباط. صاحب ذلك فشل في استثمار الدعم والمساندة الاقتصادية الواسعة التي حصلت عليها مصر من السعودية والامارات والكويت والبحرين بعد نجاح ثورة 30 يونيو في الخلاص من الحكم الاخواني. ان ما يثير الشعور بالتفاؤل بتعيين طارق عامر انه كان مشاركا في تفعيل السياسات التي تبنتها ادارة العقدة للبنك المركزي وهو ما يعطي احساسا بأنه - وبالاضافة الي خبرته المصرفية - مؤهل لتحمل مسئولية قيادة المسيرة في الاتجاه الصحيح. لا جدال أن تجربته الباهرة التي انتشلت البنك الاهلي من عثرته وفتحت امامه طريق الانطلاق الي الربح الوفير وهو ما ساند ودعم اختياره. ان اغفال تعيينه محافظا للبنك المركزي خلفا للعقدة باعتباره النائب الاول كان سببه علي ما اعتقد.. انتمائه لعائلة المشير عبدالحكيم عامر احد اركان ثورة 23 يوليو 1952. هذه الثورة كما هو معلوم تعد العدو اللدود لجماعة الارهاب الاخواني التي اصدرت قرار تعيين هشام رامز في هذا المنصب. علي كل حال فقد قوبل تعيين طارق عامر محافظا للبنك المركزي بالارتياح والترحيب علي المستويين الاقتصادي والنقدي وهو ما سوف يكون له عائد ايجابي علي متطلبات مواجهة المأزق الذي اصبحت تداعياته تحاصر اقتصادنا القومي.