لم تقف ملوثات المصانع عند الحدود المسموح بها، ويبقي الأمل في النانوتكنولوجي لايجاد مصائد شرهة لامتصاص الملوثات وتحويلها لمواد تساعد علي استرجاع نقاء الجو تحدث فوق منطقة القاهرة ظاهرتان جغرافيتان تكدران صفو هوائها الجوي، الأولي مناخية متعاقبة تأتي من موجات الخماسين وما تجلبه من رمال الصحراء الكبري خلال فصل الربيع، والثانية بشرية متزامنة مع نوبات تلوث الهواء الحادة التي تأسر المنطقة خلال فصل الخريف وذلك علي مدي ستة عشر عاماً منذ ظهرت في سنة (1999)، والتي أطلق عليها الإعلاميون «السحابة السوداء»واستخدمت وسيلة قهر لوزراء البيئة المتتاليين في محاربتهم طواحين الهواء، وقد تسببت هاتان الظاهرتان في حرمان سكان تلك المنطقة الحضرية من مزايا الاعتدالين الربيعي والخريفي المناخية ولاسيما ذلك الطقس المحبب لدي المصريين في الخريف. وكان السكان يحتمون في بيوتهم أثناء هبوب رياح الملوثات الصحراوية ووصف الرحالة الأقدمون ذلك بجو القاهرة المترب وحال كتلتها السكنية التي تعاني من كثرة الغبار وتسربه داخل مبانيها، حيث تقع القاهرة في منخفض طبوغرافي يشهد جريان نهر النيل عند خاصرة الوادي بين هضبتي المقطم في الشرق والأهرام في الغرب، ويزيد ذلك من تراكم الأتربة العالقة بالهواء والأخري المترسبة حسب سرعة واتجاه الريح، ويختلف وضع الخريف عن الربيع بهدوء الرياح وثبات اتجاهاتها، وتزداد الخطورة مع هبوب رياح الملوثات الغازية والصلبة علي صحة السكان والعمران. ولقد أصابت القاهرة الكبري حساسية بيئية من موقعها الجغرافي، بانفتاحه من جهة الشمال علي الدلتا واختناقه من الوادي في الجنوب، حيث تشكل كتلتها العمرانية مخروط القمع وملقف أحمال رياح الشماليات السائدة خلال شهور سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر المسكونة بملوثات الدخان ونواتج الحرق المكشوف للمتبقيات الزراعية ولاسيما قش الأرز، وكذلك القمامة وما فيها من مخلفات صلبة والكاوتش المستخدم كمصدر رخيص للطاقة بقمائن الفحم البلدي والطوب، علاوة علي الملوثات الغازية الأخري وعوادم المصانع والمركبات، ومن المفترض قيام الريح بوظيفتها في تشتيت تلك الملوثات والتي تختلف في شدتها خلال ساعات النهار عنها في أثناء الليل. ويؤكد المشهد المناخي انسلاخ الريح من شدتها مع غروب الشمس ودخولها في حالة وهن أو سكون خلال ساعات الليل مما يهيئ فرصة حدوث الانقلاب الحراري بارتداد الهواء البارد إلي أسفل وإصابته بالعجز عن الصعود مع استمرار شحن صوبة المخروط بهواء ملوث تحمله الريح الشمالية والشمالية الشرقية من فوق المحافظات الأكثر حرقاً للكميات الزائدة من قش الأرز وغيرها من المخلفات الصلبة وهي الدقهليةوالشرقية والغربية والقليوبية، أضف إلي ذلك احتلال القاهرة الكبري المرتبة الأولي في الكثافة المرورية واختلال العلاقة بين مساحة الشوارع وعدد المركبات وكذلك استحواذها علي أكثر من نصف مصانع الجمهورية المسجلة، وبذلك قد تحدث السحابة في أوقات غير مواتية لها من مصادر التلوث داخل المنطقة والتي سرعان ما تنقشع بالظروف الجوية. ويدل تكرار ظهور نوبات سحابة التلوث الحادة علي فشل عملية تنقية الهواء الذاتية نتيجة تزايد مفرط في الملوثات، وكانت قبل تاريخ ظهورها الأول تشتتها الريح وكان السكان لا يشعرون بذلك الضيق والكدر، ومع تركز ملوثاتها تنخفض نسبة أوكسجين الهواء في الجو وتغير المواد المسرطنة بها من نوعية الهواء وتصيب السكان بأمراض الجهازين التنفسي والدوري والعيون والأنف والحنجرة، ولا نستطيع حساب تكلفة التلوث الاقتصادية لعدم وجود سجلات صحية بيئية بالمستشفيات، وكذلك لا يوجد إنذار مبكر قبل وصول السحابة لاتخاذ تدابير الوقاية منها، وتُري القاهرة الكبري منطقة خالية من المساحات الخضراء، ولا توجد مصانع لتدوير المتبقيات الزراعية والقمامة، ولم تقف ملوثات المصانع عند الحدود المسموح بها، ويبقي الأمل في النانوتكنولوجي لايجاد مصائد شرهة لامتصاص الملوثات وتحويلها لمواد تساعد علي استرجاع نقاء الجو. [email protected]