لم يبق سوي القليل لاقتناص فرصة أخيره قبل فوات الآوان، فرصة تجمع شتات الوطن، وتلم ماتبعثر من شركاء فرقتهم الأهواء، و تعيد وحدتهم بعد أن عصفت بهم الخلافات، وتنقذ مصر من مصير لا يعلمه إلا الله لو تركوها لطامع أو فاسد أو طاغية جديد، أو بطانة سوء جديدة. الآن وقت التوحد والعودة لمطالب التغيير التي قامت من أجلها الثورة، ووقت إيثار مصلحة مصر قبل غيرها، ووقت المقاومة الحقيقية لمحاولات إعادة إنتاج حكم ديكتاتوري، مهما كان اتجاه من يقوم بهذه المحاولات، ومهما كانت دوافعه ومبرراته، ولم يعد مقبولا أن يتمسك كل مرشح »محتمل« للرئاسة بالقول أن إرادة الشعب وأصوات الصناديق الانتخابية هي الفيصل، لأن الفيصل الوحيد الآن هو الإخلاص لهذا الشعب ولثورته ورغبته في التغيير والإصلاح الحقيقي وبناء دولة عادلة، قبل القدرة علي حشد الأنصار والأتباع، وقبل القدرة علي التلاعب بالقوانين والكلمات، وقبل القدرة علي خداع الناس ممن ملوا من انتظار أمل لا يأتي في غد أفضل لهم ولأبنائهم، وأصبحوا الآن يقبلون حكما ديكتاتوريا يوفر لهم الأمان بدلا من ديمقراطية أذاقتهم الهوان! من يمكنه أن يخلص مصر من »الفوضي« في التفكير والتدبير لا يمكن أبدا أن يكون واحدا ممن ساهموا في صنع الفوضي، ومن هاجموا ضرورة وضع الدستور أولا قبل انتخاب رئيس، عليهم تحمل مسئوليتهم الآن في عدم وجود دستور يحدد قواعد الحياة السياسية ويحسم كل هذا الجدل حول صلاحيات الرئيس القادم ومهامه وكيفية إدارة الدولة، ومن يظهر الآن في ثوب جديد يدعي انه من أجل الثورة بينما كان في ثوبه القديم من قاتليها، عليه أن يخجل من استهانته بعقول المصريين، ومن يسعي بكل الأساليب القديمة لإلغاء أي رغبه شعبية في التغيير، عليه أن يعي ويدرك أن مصر لم تعد كما كانت في العهد القديم! صبر المصريون كثيرا ومشوا طريقا طويلا من أجل الوصول إلي لحظة الاختيار، وإعادة الاعتبار إليهم وتحقيق العدل والتطلع إلي مستقبل يمنحهم الأمان والأمل والقدرة علي الحلم والعمل، ولن تكون انتخابات الرئاسة هي نهاية الطريق، وكل من يتصارعون الآن عليهم أن يحسبوا حساب الشعب حين يغضب مره أخري، لأن الشعوب لا تلدغ من نفس الجحر مرتين!