لم أكن أحب أن أتحدث في هذه المسخرة. أو هذه الظاهرة التي لا أجد عنوانا لها إلا هذا اللفظ. اعرف أن الفساد في مصر مثل الماء والهواء. وأعرف أنه لا طائل مما نكتب فالمصالح الكبيرة والصغيرة للفاسدين أقوي من أي كلام. المهم عندهم رضاء من عينهم في مناصبهم وليس رضاء من عليهم تسهيل أمور حياته. حقيقي أشعر باليأس من الحديث في أي شئ. لكن سأجرب أيضا هذه المرة. كتبت كثيرا عن الفساد في حدائق الاهرام. فساد البناء والطرق والمحلات والتكاتك وعدم وجود نقطة بوليس ولو صغيرة تحمي أهلها. كل ذلك لن أعود إليه اليوم. سأتحدث في موضوع كلما سألت عنه شخصا قال إنها تعليمات المحافظ. ما سأتحدث عنه واضح كالشمس لكن المحافظة تجعلها ظلاما في ظلام. ما سأتحدث عنه هو الكهرباء في هضبة الأهرام. معروف أن كل صاحب عمارة يبلغ إدارة الكهرباء بعقود الملاك للشقق وكان في السنوات السابقة يعمل علي وصول العدادات إليهم. حين سكنت منذ عشر سنوات حدث ذلك. انتهي الأمر وصار التقدم للعدادات مهمة السكان. ليست هناك مشكلة. لكن مع فساد الحي صارت العمارات. كلها مخالفة. مرتفعة دورا أو دورين ولا تراعي مساحات الفراغ. أصبحت القاعدة هي الخروج عن شروط البناء. ويأتي العاملون في الحي ومعهم قوة عسكرية يضربون جدارا فيسقطون منه مترا أو نصف متر ثم يمضون فيقوم صاحب العمارة ببناء ماهدم وتنتهي القصة. بل أحيانا يعرف أصحاب العمارات بمرور موظفي الحي فيضعون في الشقق المخالفة أتباعهم من العاملين عندهم ينشرون غسيلا فيراه موظفو الحي فتعتبر الشقة مسكونة ولا يكون أمامهم إلا المحكمة وهناك يتم التصالح مع الحي بمبلغ لا يساوي شيئا. كل ذلك صار معروفا وألفناه. لكن شركة الكهرباء لا تدخل الكهرباء إلي أي عمارة مخالفة. والصح طبعا هو ألا تدخل الكهرباء للادوار المخالفة ، لكن الأمر يشمل العمارة كلها. طيب لقد حدثت المخالفات أمامكم وتصالحتم مع المالك في النهاية. لا معني حتي للتصالح لابد من عقاب السكان جميعا. طيب ماذنب السكان القاطنين في أدوار ليست مخالفة. يقولون لك أعمل مقايسة. تركيب عداد لا يمكن. والمقايسة طبعا أغلي من العداد شهريا. والمقايسة لا تتم إلا بطريقتين. أن تحضر مباحث الكهرباء وتترك لك انذارا بسرعة عمل المقايسة أو تذهب أنت لتطلب ذلك مع أنه من المفروض أن تطلب عدادا. وهكذا صارت ثلاثة أرباع عمارات هضبة الاهرام تعمل بالمقايسة وليست بالعدادات. وارتاحت شركة الكهرباء فهكذا تكسب أكثر. والمدهش انه حتي تتم المقايسة يمكن قطع الكهرباء في أي وقت وحتي بعد المقايسة فليس مهما أن يعيش من في العمارة في سلام وأمان. لماذا لايتم إدخال العدادات للناس يقولون لك تعليمات المحافظ لأن العمارات مخالفة. تعيد الكلام وتقول طيب سيادة المحافظ عارف كويس أوي أن كل المخالفات برضاء الحي. كيف تكافئون المخالفين بالتصالح وتعاقبون السكان؟ طبعا أصحاب العمارات مبسوطون رغم أن كل عقودهم تقول أنهم مسئولون عن إدخال الكهرباء للشقق. هل رأيتم مسخرة أكثر من ذلك ؟ تصالح مع المخالفين ومعاقبة السكان جميعا حتي سكان الأدوار غير المخالفة وهم الأكثر. ويقولون لك تعليمات المحافظ. المحافظ الذي يجري كل الفساد أمام عينيه وعيني رجاله لكن المهم معاقبة السكان. أصحاب العمارات حلوين يتصالحون ويدفعون غرامات تصالح غير مايدفعونه في السر لرجال الأحياء لكن السكان لايدفعون شيئا ولايعرفون طرق الرشوة فلابد من عقابهم والتنكيد عليهم. أظن أن كلمة مسخرة أقل مما يحدث.