قلت من قبل انني لم ولن اكون اخوانيا لكن ذلك لم يمنعني من ان أبدي اعجابي الشديد ببعض رموزها ومواقفها، وايضا مقتي الشديد من بعض تصرفات وتصريحات ومواقف قادتها. وفي كلتا الحالتين فإن حداثة جماعة الاخوان المسلمين بالسلطة قد تكون سببا كافيا يدفعنا الي التجرد في نقد بعض مواقفها، بعيدا عن اسلوب الحدة واقتناص أي فرصة للهجوم عليها والنيل منها. لا تعجبني ولا تستهويني سياسة اخذ الأمور الي حافة الهاوية، ومحاولات الاستقطاب التي تمارسها الجماعة، والتي تبدو انها موجهة الي كل فئات وانواع الطيف السياسي الذي تعيشه مصر هذه الأيام. صحيح جدا ان لحزب الجماعة الحق في ان يعلي صوته باعتباره صاحب النصيب الأكبر في سباق الديمقراطية والاختيار الحر، والذي كشفت عنه الانتخابات البرلمانية، ولكن هذا الصوت يجب ألا يصم الآذان عن بقية الاصوات، حتي وإن هدأت حدتها وقوتها ووفقا لتمثيلها داخل مجلسي الشعب والشوري. وإذا كانت الرياح في احيان قليلة تأتي بما لا تشتهي السفن، فإن اندفاع جماعة الإخوان لتصدر كل انواع السلطة قد يضعف من قوة تأثيرها وقدرتها علي النجاح والانجاز، لأن مرحلة الافعال سوف تكشف تماما مدي صدق وواقعية الأقوال.. وفي تجربة هي الأولي من نوعها للممارسة الديمقراطية، عادة ما يكون حكم الناس حادا وصارما وسريعا. لقد تصدرت جماعة الاخوان من خلال حزب الحرية والعدالة جملة المشهد السياسي في البرلمان بغرفتيه، في الوقت الذي تمارس فيه كل الضغوط من اجل تغيير الحكومة واعادة تشكيلها، في استباق غير مبرر لمدي صلاحيتها وحقوقها الدستورية، ووفقا لشكل نظام الحكم الذي يختاره المواطنون من خلال الدستور الجديد. كما حظيت الجماعة بنصيب الاسد في تشكيل اللجنة المكلفة بوضع الدستور الجديد، والتي احدثت حالة من الانشقاق والخلاف لم تنته حتي اليوم، وقد تلقي بظلالها علي جملة التقدم الذي تم احرازه في مسيرة بناء الدولة وفق قواعد الديمقراطية والحرية. حدث ذلك في الوقت الذي تصدرت فيه كل المواقع القيادية بمعظم النقابات، ثم جاء ترشيح المهندس خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة، ليوحي بأن هناك مساعي جادة للسلطة المطلقة التي سوف تصبح حملا ثقيلا وعبئا قد يعصف بمصادر قوتها ونجاحها الذي حققته خلال فترة قصيرة، وتحديدا منذ 52 يناير. وهنا فإن جماعة الاخوان تحتاج بالفعل إلي مرحلة اعادة الحساب لأن كل الظروف التي ساهمت في نجاحها حتما سوف تتعرض للتغيير، واقصد بذلك قوة المجتمع السياسي بأحزابه وطوائفه وأساليبه التشريعية والقانونية ونظم انتخاباته، ومدي النضج الذي سيتم في المناخ السياسي بوجه عام وشامل. لقد توقفت كثيرا امام التاريخ السياسي لمرشح الاخوان للرئاسة، والذي يملك بالفعل رصيدا ضخما سواء في درجاته العلمية وخبرته الاقتصادية وتاريخه النضالي وسط صفوف الاخوان. وشعرت بمدي الظلم الذي اوقعوه فيه عندما برروا قرار مشاركتهم في الانتخابات لمجرد عدم الاستماع لرغبتهم في تغيير الحكومة، وهو تبرير لا أراه يحمل أي رجاحة سياسية. ولا ابالغ عندما اقول انه يعرض التيار الإسلامي بشتي صفوفه وألوانه السياسية للتمزق وعدم القدرة علي مواجهة اتهامات كثيرة من الداخل والخارج، واخشي ما أخشاه ان تؤثر علي مصداقية الاخوان ونجاحهم وسط مناخ مسموم مسبقا. غير ان اي اخطاء في الممارسة السياسية يجب ألا تكون بأي حال من الاحوال مجالا خصبا لمحاولات التصيد التي تتعرض لها الان من جانب العديد من القوي السياسية، والتي تأخذ بالموقف السياسي برمته الي مرحلة من العناد وتصلب المواقف، قد يحيد بنا عن صواب الطريق. ان نجاح جماعة الاخوان وحزبها تم بطريقة ديمقراطية واختيار حر نتمسك جميعا به، ونحن نخطو إلي مستقبل جديد تتحقق فيه الحرية والعدالة. وكم اتمني ان نعلي من قيمة الحوار الهاديء بعيدا عن تصفية الحسابات ولغة التشكيك والتخوين. المحطة الأخيرة نعم لست متفائلا!! فعلي حين يقف قطار المرحلة الانتقالية غدا في آخر محطاته، بانتهاء فترة الترشح لرئاسة الجمهورية. يبدو في الافق ان المرحلة القادمة سوف تشهد حدة في حملات المرشحين، بالاضافة الي ما يمكن ان تسفر عنه عمليات الطعون في بعض المرشحين واعلان الاسماء النهائية التي تنطبق عليها شروط الترشح. وكم اتمني من كل قلبي ان نتقبل جميعا نتائج التجربة أيا كانت، لاننا بالفعل نعيش لحظة تاريخية يصعب ان تتكرر. لحظة تقف فيها المؤسسة العسكرية علي نفس المسافة من كل الاطراف، في سعي جاد منها للوصول بمصر الي بر الامان، بعيدا عن حمي صراعات السلطة. لحظة تحتاج إلي توحد المصريين جميعا بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والايولوجية التي تظل ضيقة وقاصرة امام سيل من التحديات التي تواجه مصر وشعبها، لحظة يقف العالم كله فيها متابعا وراصدا يحسب بدقة رصيد مصالحه وعلاقاته، وربما ايضا تحدياته. كل المرشحين للرئاسة مصريون، لا يستطيع احد ان يشكك في وطنيتهم أو حجم الامال الكبيرة التي يحلمون بتحقيقها لمصر وشعبها.