من الأقوال التي تتردد كثيراً في الفترة الأخيرة : إن التعليم هو قاطرة التقدم. والسؤال الذي يلح عليّ هو : أي تعليم ؟ هل يقصدون هذا التعليم الذي نراه حولنا ؟ إنه في رأيي يصلح لأن يكون قاطرة للتخلف أما التقدم فلا شأن لنا به. منذ فترة وجيزة اكتشف أحد المحافظين أن الطلبة في المرحلة الإعدادية الحكومية لايعرفون القراءة ولا الكتابة، فهل هذا التعليم يصلح أن يكون قاطرة للتقدم؟ ثم انظر للتعليم الثانوي ؛ الطلبة لايذهبون إلي المدارس، لأن المدرسين حين يدخلون الفصول لايشرحون، بل يستريحون من عناء الدروس الخصوصية التي قاموا بإلقائها أمس، وعلي الطالب الذي يريد أن يتعلم وينجح أن يبحث لنفسه عن مدرس خصوصي منذ الأجازة، فهل هذا التعليم يمكن أن يكون قاطرة للتقدم؟ أذكر أن أحد أحد مدرسي المرحلة الثانوية قال لي : أنا أمتلك عمارة، وسوبر ماركت. سألته : من أين ؟ قال : من الدروس الخصوصية. لقد كنت أستمر في الدروس الخصوصية لما بعد منتصف الليل، وحين أعود لبيتي لا أكون قادراً علي الصعود لشقتي، وأتمني لو نمت علي السلم. هل يستطيع أحد أن يقنع هذا المدرس أن يتنازل عن طموحه في بناء البيت وفتح السوبر ماركت حرصاً علي جودة العملية التعليمية ؟ والقضية لاتتوقف علي المدرسين وحدهم، فالطلبة، وأهلهم، والإعلام، كلهم شركاء في الوضع الحالي. تذكر ماكنا نسمعه من قبل عن الغش الجماعي، وماسمعناه في العام الحالي عن تسريب الامتحانات، وعن الغش الإلكتروني. ناهيك عن الجنازة اليومية التي تقيمها وسائل الإعلام في متابعتها للامتحانات، وصور البنات اللاتي يبكين لصعوبة الامتحان الفلاني ضغطاً علي المسئولين في التربية والتعليم. إنها منظومة متكاملة من العك التعليمي، لايمكن أبداً أن تسفر عن تعليم يصلح لأن يكون قاطرة للتقدم. وحتي لايكون حديثنا مقصوراً علي التعليم الثانوي العام نقف لحظة عند التعليم الأزهري، وأشير لتصريح قرأته أخيراً لأحد المسئولين عن التعليم الأزهري يقول فيه إن نتيجة الثانوية الأزهرية هذا العام، بعد التصدي لظاهرة الغش، وصلت إلي 23%. أتعرفون ياسادة معني هذا ؟ معناه ببساطة أن العملية التعليمية الأزهرية فاسدة. إنني أحيي الإدارة التي تصدت للغش، وأرجو من الإدارة التي تصدت له أن تتصدي للفساد في العملية التعليمية أيضاً ليكون العلاج شاملاً. ثم نصل إلي الجامعة، وفي رأيي أن بعض الجامعات الخاصة أفسدت التعليم في مصر إلي حد كبير، لأن الطلبة يتعاملون مع هذه الجامعات علي أساس أنهم يتعلمون بفلوسهم، وأنهم يشترون الشهادات بالمبالغ الهائلة التي يدفعونها. وليس سراً أن بعض النقابات ترفض إعطاء تصاريح لخريجي الكليات العملية الخاصة لأنهم يرون أن الخريجين لايصلحون لممارسة المهنة. أما الجامعات الحكومية فتعاني من الزحام الشديد، وهذا يؤثر علي جودة العملية التعليمية. أذكر أنني ذهبت إلي جامعة الإسكندرية التي تخرجت فيها، فوجدت المناطق الخضراء والملاعب التي كانت تنتشر في كل مكان قد تحولت إلي مبانٍ، وازدحمت بالطلبة. وسألت عن القسم الذي درست فيه فوجدته انقسم إلي أربعة أقسام، كل قسم منها به عدد يفوق ماكان موجوداً علي أيامنا. ومن الكوارث التي حطت علي رؤوس الجامعات الحكومية موضوع التمويل الذاتي، فالجامعات في سبيل زيادة الدخل تفعل أشياء غريبة تحتاج لمقال وحدها. وفي مجال العلوم الطبيعية في الجامعات الحكومية تجد العجب العجاب، فطالب الدراسات العليا يفترض أن يكون مليونيراً، لأنه يشتري المواد التي تحتاجها التجارب علي نفقته، ويدفع لنشر أبحاثه في المجلات العالمية مبالغ طائلة، ويتحمل ذل أساتذته في صمت وإلا فلن يحصل علي الدرجة أبداً. فهل هذا التعليم يصلح أن يكون قاطرة للتقدم ؟ إنني أسأل : متي نحول التعليم في مصر من قاطرة للتخلف إلي قاطرة للتقدم ؟ وهل هذا ممكن ؟ هل هذا ممكن ؟