أكد تقرير صادر عن البنك الدولي أن أسعار الغذاء العالمية انخفضت بنسبة 14% في الفترة من اغسطس 2014 حتي مايو 2015 وهي بذلك هبطت لأدني مستوي لها في 5 أعوام، وأرجع التقرير انخفاض أسعار الغذاء إلي وفرة المعروض العالمي من الغذاء بالإضافة إلي وفرة أهم المحاصيل الغذائية الاستراتيجية علي مستوي العالم، القمح والذرة والأرز وذلك خلال العام الجاري، وهناك توقعات قوية باستمرار تلك الوفرة حتي نهاية العام الحالي. وذكر التقرير أن قطاعات الزراعة والغذاء في معظم دول العالم استفادت أيضا من تراجع تكاليف الوقود والنقل الذي تأثر بانخفاض أسعار الطاقة علي مستوي العالم، كل ذلك أدي إلي تراجع أسعار الغذاء في الفترة السابقة. أشار التقرير الي أن أسعار القمح شهدت تراجعا نسبته 18% في الفترة من اغسطس 2014 الي مايو 2015، كما انخفضت اسعار الأرز في نفس الفترة بنسبة 14% فيما تراجعت أسعار الذرة بنسبة 6%.. ورغم هذا فان الأسعار في مصر لا تستجيب لهذه الانخفاضات بل علي العكس فان الاسعار ترتفع كما أكدت تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بنسبة تتراوح بين 5٪ و25٪ حسب السلعة. وذكر التقرير أن حجم القروض التي قدمها البنك الدولي للدول النامية للاستثمار في الزراعة والمجالات المتعلقة بها، بلغ 8.3 مليار دولار العام الماضي، كما قدمت مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي قروضا للقطاع الخاص وصلت إلي 4 مليارات دولار، تم استثمارها جميعا في سلاسل التوريدات الغذائية العام الماضي. قال د. رشاد عبده الخبير الاقتصادي إن السوق المصرية لا تتأثر إلا في حالة ارتفاع الأسعار العالمية، فإذا ارتفعت الأسعار في السوق العالمي بنسة 5% فترتفع الأسعار المحلية بأضعاف تلك النسبة وبما لا يقل عن 20%، وتكون حجة المنتجين المحليين أن الاسعار العالمية ارتفعت علي الرغم من ارتفاع الأسعار المحلية لا يتناسب مع نسبة ارتفاع الاسعار العالمية إلا أن المنتجين يستمرون في نهج تلك السياسة كلما شهدت الأسعار العالمية ارتفاعا ولو بنسبة ضئيلة. وأضاف أنه في حالة ارتفاع الأسعار العالمية لسلعة معينة لفترة مؤقتة فإن السوق المحلي سرعان ما يستجيب لتلك الزيادة ويقوم بمضاعفة الأسعار المحلية إلا أنه لا يستجيب علي الإطلاق في حالة انخفاض الاسعار في السوق العالمي. وأرجع عبده عدم استجابة السوق المحلية لانخفاض الأسعار العالمية إلي جشع التجار المحليين وعدم وجود رقابة من الدولة علي هامش الربح الذي يحققه المنتجون المحليون، مشيرا إلي أن القطاع الخاص لا يعنيه إلا تعظيم مكاسبه وإن كان ذلك علي حساب المجتمع. وأضاف عبده أن الشركة القابضة الغذائية والتي تتبع وزارة التموين حاليا، يجب أن تقوم بخلق التوازن بين الأسعار العالمية والأسعار المحلية عن طريق استيراد السلع الغذائية وبيعها للمواطنين بأسعار مناسبة مع تحقيق هامش ربح ضئيل للدولة، وسيخلق ذلك نوعا من المرونة في استجابة السوق المحلي للأسعار العالمية، كما أنه سيفرض علي المنتجين المحليين سرعة الاستجابة لتحركات الأسعار العالمية وتخفيض الأسعار في حالة انخفاضها في السوق العالمي، فمصر هي الدولة الوحيدة التي إن ارتفعت فيها الأسعار لا تهبط إلا في حالة تدخل الدولة. واستشهد عبده بالأزمة العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في 2008 وصاحبها انخفاض شديد في الأسعار وصل إلي 50% في العديد من دول العالم، إلا أن السوق المصرية كان بعيدا تماما عن الاستجابة لتلك التغيرات في الأسعار وظلت الأسعار المحلية كما هي. قال عبده ان مصر ومعظم الدول الغربية والعربية تتبع النظام الرأسمالي أو ما يطلق عليه نظام اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر، والذي يعني أن أسعار السلع تُحدد طبقا لقوي العرض والطلب، فإذا ارتفع الطلب علي سلعة ما، يقابله ارتفاع في سعر تلك السلعة إلي أن يصل إلي حد معين حتي ينخفض الطلب مرة أخري ويصاحبه انخفاض في السعر. وأضاف أن أهم سمات الاقتصاد الحر هي المنافسة الكاملة والتي تعني في أبسط صورها توفير السلع بأعلي جودة وأقل سعر، ويتمتع سوق المنافسة الكاملة بالمرونة والاستجابة الشديدة من المنتجين المحليين لتحركات الأسعار المحلية والعالمية، وهذه السوق موجودة في الدول الغربية ولذلك نجد أن معدل التضخم الذي يقيس نسبة ارتفاع الأسعار لمجموعة من السلع في فترة زمنية معينة لم يتعد نسبة 1% في معظم هذه الدول، حيث يصل إلي .01% في كل من المانيا وانجلترا، و .05% في فرنسا في حين يصل إلي .08% في أمريكا، وفي دول الخليج لم يتخط معدل التضخم حاجز 2% إلا في السعودية الشهر الماضي حيث بلغ 2.1%، بينما يصل إلي 1.6% في الكويت، في حين يبلغ 1.4% في الإمارات. أما في مصر والتي من المفترض أن اقتصادها يُدار بنظام السوق الحر، نجد أن معدل التضخم المُعلن يصل إلي 13% ويصل المعدل الحقيقي إلي 17%، وذلك لأنه لا توجد سوق منافسة كاملة بل يوجد احتكار قلة والذي يعني تحكم مجموعة قليلة من المنتجين في سعر سلعة معينة، وفي ظل غياب كامل لدور الحكومة، فإن تلك القلة تتحكم في كمية العرض للسلعة التي ينتجونها في السوق المحلي، ومن ثم يتحكمون وبشكل شبه مطلق في أسعار تلك السلعة. وقال د. مختار الشريف الخبير الاقتصادي إن السبب في عدم استجابة السوق المحلية لانخفاض الأسعار العالمية هو عدم وجود مؤسسات تحكم السوق وتقدم مؤشرات ومعلومات يومية دقيقة عن جانبي العرض والطلب لجميع السلع، بحيث تحدد كمية كل سلعة في السوق المحلية ويمثل ذلك جانب العرض، وتحدد متوسط السعر المحلي لكل سلعة بناء علي تكلفة انتاج السلعة في السوق المحلي او تكلفة استيرادها، آخذا في الاعتبار الأسعار العالمية ومدي تغيرها. وعلي هذه المؤسسات أيضا أن تضع حدا أقصي لهامش ربح للمنتجين المحليين، ويستلزم تفعيل ذلك أن يكون لديها سلطة قانونية لإلزام جميع المنتجين بذلك الهامش وفرض غرامات مالية علي المخالفين. وأضاف الشريف أن عشوائية السوق المصرية وغياب التنظيم في أكثر من 90٪ من الأسواق خاصة الموجودة في المناطق العشوائية، سلبت قدرة الدولة علي إحكام الرقابة علي الاسواق وفتحت الباب أمام المنتجين المحليين لاستغلال المواطنين ووضع هوامش ربح مرتفعة. مشيرا إلي أن مشكلة الدول النامية تتمثل في جانب العرض، بسبب غياب الآليات التي يمكن من خلالها للدولة احكام الرقابة علي المعروض من كل سلعة وتحديد منافذ البيع في جميع أنحاء الجمهورية مع عرض الأسعار لكل سلعة في كل منفذ، مشيرا الي أن توفير المعلومات للمواطنين عن جودة وأسعار وأماكن توافر السلع أهم آليات السوق الحر الذي تتمتع فيه معظم السلع بمرونة عالية لتحركات الأسعار سواء في السوق المحلية أو العالمية. وأضاف الشريف أن هناك مشكلة أخري أكثر خطورة تتسبب في استمرار ارتفاع الأسعار سنويا وهي سوء التداول لجميع السلع الغذائية، ويبدأ سوء التداول منذ اللحظة الأولي لتعبئة وتغليف المنتجات مرورا بسوء النقل بسبب عدم وجود بنية طرق سليمة، وتنتهي هذه العملية بسوء التخزين الذي تعاني منه معظم المنتجات الغذائية، مشيرا إلي أن 40٪ من السلع الزراعية يتم فقده لسوء التداول. عاطف عبداللطيف