المال يزيد بالإنفاق، والنعمة تدوم بالشكر الإسلام دين البر والصلة، والتراحم والتكافل، وقد كان نبينا (ﷺ) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد أصَّل (صلي الله عليه وسلم) ذلك المنهج قولاً وفعلاً، فدعا إلي التراحم في أسمي معانيه، وإلي تفريج الكرب، والتيسير عن المعسر، فقال (ﷺ) : « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَي مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَي الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (صحيح مسلم). وقد دعا القرآن الكريم في مواطن عديدة إلي الإنفاق في سبيل الله، وأكد علي عظيم أجر المنفقين، فقال سبحانه : « مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ « (البقرة : 245)، وقال سبحانه : « مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ « (البقرة : 261)، وقال عز وجل: « الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ « (البقرة : 274). وحذر من سوء عاقبة البخل والبخلاء، فقال سبحانه: «.. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، يَوْمَ يُحْمَي عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَي بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ « (التوبة: 34، 35)، وقال سبحانه : « هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ » (محمد : 38). بل ذهب القرآن الكريم إلي أبعد من ذلك فحذر من إتباع الصدقة بالمنِّ أو الأذي فقال سبحانه وتعالي: « قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًي وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَي كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَي شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (البقرة : 263، 264). وهذه المعاني العظيمة كلها قد أكد عليها نبينا ( ﷺ) فقال (ﷺ) : « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا «، وقال (ﷺ) : « ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ «، وقال (عليه الصلاة والسلام): حينما سئل :أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ ؟ فَقَالَ : « أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَي الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَي وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّي إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ «. علي أن المال يزيد بالإنفاق، والنعمة تدوم بالشكر، يقول الحق سبحانه: « وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ «، ويقول نبينا (ﷺ) : « إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَحَوَّلَهَا إِلَي غَيْرِهِمْ «، وكان يقول للسيدة عائشة (رضي الله عنها) : « يَا عَائِشَةُ، ، أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ عز وجل، فَإِنَّهَا قَلَّمَا نَفَرَتْ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِمْ «. وقد عرف التاريخ رجالاً عظاماً في سخاء النفس، وحب الخير، وذكر لنا من ذلك قصصاً عديدة وعلي رأس هؤلاء حبيبنا محمد (صلي الله عليه وسلم) الذي كان أكرم الناس جميعاً، تزاحم عليه الناس يوماً عند مقفله من حنين حتي اضطروه (صلي الله عليه وسلم) من تزاحمهم إلي الميل إلي جانب شجرة عضاة فاختطفت ثوبه، فقال لهم: (والذي نفسي بيده لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ العضاة نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً أبدًا). وما كان من سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل (رضي الله عنهما) عندما أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرَّة، ثمَّ قال للغلام: اذهب بها إلي أبي عبيدة بن الجرَّاح، ثمَّ تمهل ساعة في البيت حتي تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه. ثمَّ قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السَّبعة إلي فلان، وبهذه الخمسة إلي فلان، حتي أنفدها، فرجع الغلام إلي عمر، فأخبره فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل، وقال: اذهب بهذا إلي معاذ بن جبل، وتلكَّأ في البيت ساعة حتي تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلي بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطَّلعت امرأة معاذ وقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الصرة إلَّا ديناران فنحا بهما إليها، فرجع الغلام إلي عمر فأخبره، فسُرَّ بذلك عمر، وقال: إنَّهم إخوة بعضهم مِن بعض. ومنها ما يروون من أن عجوزاً جاءت إلي الإمام الليث بن سعد تطلب كأساً من عسل، فقال: أعطوها زقاً (وهو وعاء كبير) فقالوا : يا إمام إنما طلبت كأساً، فقال : هي طلبت علي قدر حاجتها ونحن نعطي علي قدر نعم الله عز وجل علينا. وها نحن في شهر رمضان الكريم نقول : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فهذا شهر البركات، وشهر الرحمات، وشهر النفحات، وشهر الإنفاق، وشهر البر والصلة، وهو شهر الرحمة، وشهر العتق من النار، فطوبي لمن ذاق وعرف، ففاز وظفر، وغفرانك اللهم ورحماك لأهل الهداية والرشد.