رغم كل ما يحاصرنا من مشكلات وصروف فقد جاء لقاء الرئيس بفضيلة الإمام الأكبر شافيا لصدور قوم مؤمنين ومخلصين لهذاالدين وهذا الوطن، ومنذ اليوم الذي نادي فيه القائد بضرورة تجديد الخطاب الديني في بيت الأزهر الشريف وأنا أوقن أن ذلك من عزم الأمور التي ينبغي ألا نفرط فيها قيد لحظة، وأن هذا النداء كان عن قناعة وحرص واصرار منه أن يكون الأزهر في طليعة النهضة المصرية الشاملة كما كان العهد به دائما، وليس كما أشاع المغرضون والمرجفون في المدنية، من أن الرئيس غاضب من تقصير الأزهر، وهنا أود أن أشير إلي بعض الحقائق الغائبة، حيث لا يفوت علينا جميعا أن الإمام الأكبر أحمد الطيب من الشيوخ المستنيرين الذين جددوا وحملوا مشاعل التنوير في وقت عصيب كان الأزهر يعاني من نوبات ضعف وأيضا عمليات تقليص لدوره وتحجيم لامكاناته العظيمة، ومن هنا بدأت المشكلة. ولقد أذكر أنه مع تولي الإمام الطيب المسئولية، كان النظام السياسي في مصر يتهاوي ودبت أعراض الوهن في أوصال الدولة المصرية بما فيها الأزهر، الذي كان محاصرا من كل جانب بما في ذلك الإعلام الديني الذي انتشر بفضائيات عديدة، يشد الناس بعيدا.. بعيدا عن وسطية الأزهر ويرسخ لمباديء العنف والكراهية وتكفير الآخرين، كانت الأجواء سيئة للغاية، يسبقها مقدمات خطيرة، عايشها الإمام الطيب وهو رئيس لجامعة الأزهر، حين قامت ميليشيات من طلبة الإخوان وآخرين من دونهم باستعراض القوة داخل الحرم الأزهري في مشهد لا ينساه التاريخ بملابس الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية، مما اثار الفزع والرعب بين الطلاب، ولم يتحرك أحد إلا بعد أن تحرك رئيس الجامعة الدكتور الطيب وتصدي لهم في سابقة شديدة الخطورة وبرغم الانذار الواضح الذي حملته هذه الوقعة، فإن الأزهر بقي مكبلا منزوع الفاعلية، حتي اذا فرغ موقع الإمام الأكبر، جاء الشيخ الطيب مرغما، حيث لم يكن يرغب، وحيث أراد القدر أن يتحمل المسئولية كاملة في هذا الظرف العصيب، ولم يمض وقت طويل، عام تقريبا، حتي اندلعت ثورة يناير، واهتزت البلاد. ولم يكن الأمر سهلا ولا الوقت مسعفا، فسرعان ما ضربت الفوضي البلاد ووصلت الأمور بكل مؤسسات الدولة إلي أسوأ حال، وصلت إلي أوجها مع صعود الإخوان إلي السلطة، وكان عدوهم الأول الجيش والأزهر، هذان الركنان هما العقبة الكأداء في طريق تحقيق الأخونة الكاملة لاركان الدولة، وكما قيض الله للجيش في حينها القائد عبدالفتاح السيسي، فيض الله الإمام أحمد الطيب للأزهر، وكانت المحاولات الإخوانية شديدة للاطاحة بهما، ولكن الله أراد، وإرادته فوق كل إرادة، لقد كانت سنوات عجافا، لم يكن جوهر الأمر فيها الخطاب الديني أو تطوير المناهج أو التفكير في أي مستقبل إلا أمر واحد هو النجاة بالأزهر والحفاظ علي هويته المصرية الأصيلة ووسطيته التليدة، ومن هنا كانت قناعة القائد وهو يلتقي فضيلة الإمام الطيب لتحديد الانطلاقة الجديدة لايمانه العميق بأن الشيخ من أئمة المجددين ومن خيرة الوطنيين الذين أبوا أن يفرطوا في تراب الوطن، بل كان من المبادرين إلي تأييد إرادة الجماهير التي خرجت تصب جام غضبها علي الطغاة الجدد في 30 يونيو. وفي هذه الأجواء كلها كان العمل صعبا، ورغم ذلك فإن ملامح التغيير اخدت تبدو تشرق في جنبات الأزهر، وأزعم أن هناك نقلة نوعية تتم الآن في الجامعة ومناهجها وكذلك في المعاهد الأزهرية، وإن كان ذلك سيستغرق وقتا طويلا حتي يكتمل وينسجم مع الوسطية التامة التي نبتغيها جميعا، انما هو العمل الذي تعاهد عليه القائد وفضيلة الإمام في لقاء، كأنه جاء في موعده المظفر، يجدد الأمل في صدورنا .