لا يكتفي الإرهاب بالأذي لضحاياه، لكنه أيضا يسمم مناخ الحريات وحقوق الانسان حتي في أعتي الدول الديموقراطية.. ويتسبب الارهاب في دفع الحكومات نحو المزيد من المراقبة للحفاظ علي أمنها. فمن المتوقع أن يتم في سويسرا خلال أيام قليلة تمرير مشروع قانون جديد بالبرلمان لمنح المخابرات المزيد من الصلاحيات رغم تحذيرات المعارضين بأن القانون الجديد ينتهك الحقوق المدنية ويفتقر إلي الدعم الدستوري اللازم. وفي إطار الإصلاح المقترح سيسمح لموظفي جهاز المخابرات الفيدرالي بالتنصت علي المكالمات الهاتفية، والتجسس علي أجهزة الكمبيوتر، بالإضافة إلي زرع أجهزة تنصت خفية في الشقق والمباني الخاصة بهدف منع الهجمات الإرهابية وأنشطة التجسس، وقد لاقي هذا التغيير القانوني المقترح معارضة شديدة من أحزاب اليسار خاصة بعد الغضب الذي ساد رجال السياسة والعامة في أعقاب كشف إدوارد سنودن في عام 2013 عن معلومات تتناول النشاطات السرية الواسعة لوكالة الأمن القومي الأمريكية وأجهزة مخابرات أخري. لكن يمكن القول أن تيار اليمين ويمين الوسط في البرلمان تمكن من اكتساح هذه الاعتراضات بحيث أصبح في حكم المؤكد تمرير هذه التعديلات التشريعية. وكانت لجنة الشئون الأمنية بمجلس النواب (الغرفة السفلي للبرلمان الفيدرالي) قد أوصت بأغلبية ساحقة بالموافقة علي مشروع القانون قبل وقوع الهجمات التي شنها متشددون إسلاميون في أوروبا مطلع هذا العام. وفي هذا السياق، أعرب ياكوب بوخلر أحد كبار الأعضاء في اللجنة، عن قناعته بأن تصعيد عمليات المراقبة هو الرد الصحيح في الظروف الراهنة. وقال بوخلر «إنه الاسلوب الوحيد الذي يؤهلنا للتعاون مع أجهزة المخابرات الأخري بشكل متكافئ وبالتالي حماية الشعب والوطن». ورغم موافقة لجنة الشئون الأمنية التي تفتح الباب أمام موافقة البرلمان فقد كشف عدد من كبار الخبراء القانونيين عن تحفظات شديدة بهذا الشأن. وكما يقول راينر شفايتزر أستاذ القانون في جامعة سانت جالن إن القانون في حال تمريره سوف يؤدي إلي تغيير جذري في النظام. واشار شفايتزر إلي انه سوف يكون بوسع جهاز المخابرات الفيدرالي للمرة الأولي في تاريخه التنصت علي المواطنين، مستندا في ذلك ببساطة علي تهديد مفترض ولن يتوجب عليه إثبات وجود مسوغ منطقي حتي لمجرد الاشتباه. كما أشار شفايتزر إلي انه لن يكون للمواطنين الحق في الحصول علي الحماية القانونية، أو الوصول للمعلومات بشأن تحقيق سري محتمل يدور بحقهم، محذرا من ان هذا يتعارض مع حقوق الإنسان الأوروبية. ويحذر أستاذ القانون من انه رغم كل هذه الاجراءات المتشددة التي تحاول المخابرات اتخاذها فإنه قد يتمكن الإرهابيون من الهرب في نهاية المطاف قبل إلقاء القبض عليهم، بسبب عدم وضوح الإجراءات بين أجهزة المخابرات والسلطات القضائية. ودعا شفايتزر إلي وضع النقاش في البرلمان علي الرف، حتي يتم إقرار قواعد محددة. أما ماركوس موهلر كبير المستشارين القانونيين، والمحاضر السابق بجامعتي بازل وسانت جالن، فيري ضرورة منح أجهزة المخابرات وسائل إضافية للدفاع المبكر ضد الهجمات الإرهابية، لمنع أجهزة الاستخبارات الأجنبية من ممارسة أنشطة غير مشروعة فوق الأراضي السويسرية. لكنه يعتقد أن الصلاحيات الممنوحة للحكومة سوف تتجاوز ضمان الأمن القومي بكثير. وكما يقول «ليس هناك حتي الأساس القانوني الواضح اللازم لذلك في الدستور». ويضيف موهلر أن موظفي جهاز المخابرات «سوف يمنحون سلطات تعادل سلطات التحقيق الجنائي، أو قد تفوقها». ويتفق كلا الخبيرين علي أن توفير حكم قانوني حول التنصت بين المرسل والمستقبل في سويسرا من المتوقع أن يفتقر إلي الكفاءة اللازمة، خاصة أن ما يقرب من نصف الاتصالات عبر الأسلاك (الكابلات) يمر عبر خوادم بعيدة عن متناول السلطات السويسرية. مع ذلك، يعتقد موهلر أن حقوق المواطنين السويسريين ولا سيما القواعد المتعلقة باحترام الخصوصية، سوف تتمتع بحماية أفضل ضد تدخلات جهاز المخابرات بالمقارنة مع أمريكا، وبريطانيا، أو فرنسا إذا ما حظيت التعديلات المقترحة علي موافقة الأغلبية بمجلسي النواب والشيوخ.