مازالت فضيحة الإدارة الأمريكية حول العالم تتصاعد تباعاً بعد إثبات تجسس واشنطن على زعماء العالم، ومؤخراً بعد أن نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريراً تحت عنوان " وكالة الأمن القومي الأمريكية ترصد مكالمات 35 من زعماء العالم"، ثارت عاصفة من الجدل والترقب العالمي لمعرفة هؤلاء القاده؟، ولماذا أقدمت أمريكا على هذا الفعل، الذي من المتوقع أن يزيد التوترات مع الحلفاء والأصدقاء، لكن الصحيفة لم تذكر أسماءهم، لكن أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، وفرانسوا أولاند الرئيس الفرنسي على رأس هؤلاء القادة، بالإضافة إلى ديلما روسيف رئيسة البرازيل، وأنريكي نييتو رئيس المكسيك، ومازال الجدل دائراً حول قادة روسيا والصين وإيران، نظراً لأنهم بالطبع أهداف رئيسة هامة لوكالة الأمن القومي الأمريكية. اللواء سامح سيف اليزل رئيس مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية قال: إن أجهزة مخابرات الدول ليس لها حدود أو خطوط حمراء في عملها، ورغم أن البيت الأبيض الذي يتعرض لانتقادات من أقرب الحلفاء بعد إثبات التجسس من وكالة الأمن القومي الأمريكية، لكن هذا هو إطار العمل المخابراتي لجمع المعلومات، وجميع الدول تتجسس على بعضها، لكن العبقرية أن يتم رصد هذه الشفرات وتفكيكها من الدول التي يتم التجسس عليها، فمثلاً لم تستطع أمريكا رصد مكالمات المسؤولين المصريين بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وكبار أجهزة استخبارات العالم حاولت نشر مخطط الفوضى لعودة الإخوان إلى الحكم، لكن المخابرات المصرية كانت على قدر كبير من الذكاء ولم تكتشف أي من هذه الدول أو الأجهزة ما يدور داخل العقلية المصرية، ووسط الضجة المتزايدة بشأن الادعاءات بأن الولاياتالمتحدة تجسست على بعض من أقرب حلفائها في أوربا مثل أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، وفرانسوا أولاند الرئيس الفرنسي، إلا أن الاستخبارات في جميع أنحاء العالم تفعل هذا الأمر، لأنه طبيعي ومنطقي ومعرفة ما تفكر فيه الحكومات الأخرى هو أحد وظائف الاستخبارات والوكالات، وهذا مبدأ أساسي من طرق جمع المعلومات الاستخبارية لتحديد نوايا الزعماء الأجانب تجاه الدول الأخرى أو تجاه الوطن، موضحاً أن الغضب والمفاجأة التي أعرب عنها زعماء العالم ساذج، مع العلم أن مخابرات هذه الدول المتجسس عليها تقوم بنفس الفعل هي الأخرى، ولا يوجد في الأمن القومي أو في قاموس أجهزة الاستخبارات عبارة "التجسس بين الأصدقاء لا يجوز" كما قالت ميركل، لافتاً إلى فشل الاستخبارات الألمانية في كشف تجسس أمريكا على المستشارة الألمانية منذ أكثر من 10 أعوام يؤكد أنها مخابرات هشة وضعيفة، مع العلم أن شفرات الدول لابد من تجديدها كل عام حفاظاً على الأمن القومي الداخلي، فضلاً عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على الملايين من المكالمات الهاتفية في إسبانيا في شهر واحد في شهر ديسمبر من العام الماضي، وبالتالي فإن تجسس الأمريكيين يصب في خدمة المصالح التجارية والصناعية لدولتهم، والعالم يفعل نفس الشيء بالنسبة لهم، لأن ذلك يصب في المصلحة الوطنية لحماية الأمن القومي لهذه الدول. واتفق مع الرأى السابق اللواء حمدي بخيت الخبير العسكري،وأضاف: إن كل أجهزة استخبارات العالم تحاول جمع أفضل المعلومات، سواء تم ذلك عن طريق الهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني الخاص، أو خدمات الاستخبارات الأجنبية وما يسمى بالتجسس، ولكن هل يهم غضب أوربا أن أمريكا تتجسس على الأصدقاء والحلفاء؟، أجاب قائلاً: المفوضية الأوربية الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي يدعم تشريعات تلزم شركات التكنولوجيا الأمريكية بالحصول على إذن قبل تقديم وكالات الاستخبارات بجمع المعلومات الشخصية على مواطني الاتحاد الأوربي، وهذا هو ما غضب أوروبا أن واشنطن تجاوزت القانون، لكن البرلمان الأوروبي وافق بالفعل على قرار غير ملزم لرجال المخابرات، نظراً لأن طبيعة عملهم هي السرية ولا توجد حدود أو قوانين تستيطع تقويض حركة رجال الاستخبارات، كما أن البرلمان الأوروبي (يشمل 766 عضواً من 28 بلداً في الاتحاد الأوروبي)، ليس لديه سلطات رسمية في تعليق أو إنهاء الصفقات الدولية.. ولذلك فإن القلق إزاء التجسس الأمريكي على حكومات الاتحاد الأوروبي لابد أن ينظر له بفشل أجهزة استخبارات أوروبا في منع شفرات وكالة الأمن القومي الأمريكية بالتجسس وليس الغضب كونهم أصدقاء للبيت الأبيض، لافتاً إلى أن عبثية السياسيين في تقبل الصدمة وراء آرائهم الخاطئة، ويريدون إقفال باب المناقشة حول مراقبة الاتصالات اليومية داخل أوروبا، وواجبهم في هذه اللحظة هو حماية مواطنيهم من الهجمات الاستخباراتية الأمريكية، لأن حقوقهم الأساسية لا تقل قيمة عن حماية حقوق المستشارة ميركل، بدلاً من لوم واشنطن على القيام بعملها لحماية أمنها القومي، وإذا كانت الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحده تقوم على الاحترام والثقة المتبادلة، فإن هذا الأمر مقبول من الناحية السياسية لكنه أمراً مستحيلاً من ناحية عمل أجهزة المخابرات. ومن جانبه، أوضح اللواء محمود زاهر وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، أن نوايا الزعماء الأجانب حول العالم هو الهدف الرئيسي من عمليات التجسس الأمريكية، وبالتالي فإن الولاياتالمتحدة لم تجسس بشكل عشوائي على الدول، لكنها تعرف وتختار جيداً الدولة التي سيتم التجسس على رئيسها أو المسئولين بداخلها، موضحاً أن كلمة نوايا القيادة هي نوع من مبدأ أساسي من مبادئ ما نقوم به أجهزة الاستخبارات حول العالم بجمع وتحليل المعلومات الواردة من دائرة صناع القرار، وبالتالي فإن التجسس مسألة روتينية بين الدول لحماية أمنها القومي، وليس هناك في العمل المخابراتي حلفاء أو أصدقاء أو ثقة متبادلة، وإذا كان أي رئيس أو مسئول من ال 35 المزعم التجسس عليهم يتوقع اعتذار من وكالة الأمن القومي الأمريكية فإنه سيصاب بخيبة أمل، مؤكداً أن هذا الكشف الخطير ينبع من الوثائق المسربة من قبل مقاول الاستخبارات الأمريكية السابق الهارب إدوارد سنودن، الذي يعيش الآن في روسيا خوفاً من الاعتقال، سيؤدي بالطبع إلى انعدام الثقة وتوتر في العلاقات بين الولاياتالمتحده وأوروبا مع جميع حلفائها حول العالم، لكن الخطير حول هذه الفضيحة الأمريكية هو مواصلة قدراتها على تطوير وتوسيع دائرة التجسس حول العالم بالشكل التكنولوجي المتقدم الذي كسر شفرات أجهزة استخبارات 35 دولة، وهذا هو السبب الرئيسي لتحليل هذه المنظومة المتقدمة تكنولوجياً. وفي رأي اللواء محمد قدري سعيد رئيس وحدة الشؤون العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التجسس بين الأصدقاء ليس من غير المألوف، ولكن التجسس على رئيس دولة أو رئيس حكومة خطوة أبعد من اللازم قامت بها واشنطن، ومع ذلك تحاول دول الاتحاد الأوروبي التماسك على رأي وموقف موحد لمعاقبة أمريكا داخل الأممالمتحده، وبالتالي فإن ميركل وهولاند في مهمة صعبة ضد عاصمة أقوى رجل في العالم، الذي أنكر معرفته بتجسس بلاده على أقرب حلفائه، وبالتالي قد يكون هناك فرض قوانين جديدة لقواعد السلوك على أجهزة المخابرات، مثل تمرير قرار ضد التجسس على الاتصالات الإلكترونية، ولكن هذا السيناريو الذي من المرجح أن يظل في نواحي الخيال في عمل الاستخبارات، ولن يكون هناك أي اتفاقات حول التفاوض علناً على ما يُسمح لوكالات الاستخبارات القيام به، نظراً لأن الغرض من العمل الاستخباراتي هو أن تفعل الأشياء التي هي غير قانونية في البلاد، وعلاوة على ذلك فإن قادة فرنساوألمانيا لا يتكلمون عن الاتحاد الأوروبي لعدم وجود موقف أوروبي مشترك، ويلاحظ أن هناك قلق من دون انتقاد، حيث يرى بعض قادة دول الاتحاد الأوروبي أن التجسس مسألة وطنية سيادية، لافتاً إلى أن هذه الضجة منافقة إلى حد ما وخبراء المخابرات يعرفون جيداً أن الأجهزة الأوروبية أيضاً تجسس على بعضها بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء لمنع الهجمات الإرهابية، وإذا كان هناك عبارات مثل "لايجوز التنصت على الأصدقاء" فهذا مفهوم ساذج ولا ينطبق على وكالات الاستخبارات، وإذا كان تم اكتشاف التجسس الأمريكي على أوروبا فإنه ينبغي القلق بشأن استخبارات روسيا والصين وإيران، ولذلك على الاتحاد الأوروبي بحث كيفية الحد من أنشطة وكالة الأمن القومي الأمريكية في نطاق معقول، وربما رفع روح التنافسية بين الوكلاء حول العالم وليس معاقبة أمريكا أي دولة أخرى على مشروعية عملها الاستخباراتي. بينما يرى اللواء طلعت مسلم الخبير العسكري، أن أمريكا ليست في حاجة للتجسس على أوروبا، وما يحدث مجرد استعراض مخابراتي للذكاء التكنولوجي بأوامر أوباما، فمراقبة هواتف ألمانيا وإسبانيا يؤكد أن واشنطن قادرة على تتبع العالم ولا يعني بالضرورة أهمية ما يجب أن تفعله، مؤكداً أن أوباما هو المستخدم النهائي لجميع المعلومات التي تجمعها وكالات الاستخبارات في الولاياتالمتحدة، وأن البيت الأبيض يعطي وكالة الأمن القومي التوجيه السياسي للمراقبة والتنصت على رئيس هذه الدولة، ولابد أن تتطلب وكالة الأمن القومي موافقة الرئيس أوباما على هذا النوع من جمع المعلومات قبل القيام بها من تلقاء نفسها، وفيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخبارية عن مواطني أوروبا، أكد أنه أمر غريب ويحتاج إلى تفسير من الإدارة الأمريكية نفسها، فمعظم هذه الدول لم تشارك الولاياتالمتحدة في القتال ضد بلد معادية، وليس هناك حاجة طارئة لهذا النوع من المراقبة، لكن في نفس الوقت لا ينبغي الاعتقاد أن الولاياتالمتحدة تنصتت على مليارات المكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني من الرؤساء ورؤساء الوزراء ومواطني دول الاتحاد الأوروبي بشكل ودي.