اتحرق شوقاً لمتابعة المناظرة الدينية التي أعلن الإعلامي والباحث إسلام البحيري عن قبوله إياها مع أيٍ من شيوخ الأزهر وعلمائه حول مجمل ما يقوله في برنامجه الصادم عن كتب الفقه والتراث. أقول هذا لأنني ببساطة أتابع البرامج الدينية والفقهية بانتقائية شديدة، بسبب تعدد القنوات بشكل يفوق طاقتي علي الاستيعاب، فتجدني أتابع بشغف نقيضين بارزين: أفكار وخواطر الحبيب علي الجفري المغرقة في التصوف الباعثة علي البكاء والسياحة في الروحانيات، كما أتابع بنفس الشغف أفكار وخواطر إسلام بحيري العاصفة المؤججة للغيظ مرتين. مرة «لاجترائه» علي كتب التراث القديمة مروراً بعلماء الإسلام المحدثين الذين توارثوا تقديس كتب الفقه دون إعمال العقل أو غربلة ما جاء بها من أفكار حتي استحالت إلي مسلمات. ومرة أخري بسبب عجزي أنا وغيري من البسطاء أمثالي علي الرد علي إسلام بحيري وتفنيد شروحه وتعليقاته. فنحن نحب ديننا ونوقر أسلافنا ونحترم جهدهم وعلمهم في جمع السنة وشرحها، ونتشدق بسماحة إسلامنا ونغار علي سمعته، كما أننا نتعجب من جسارة بحيري علي تحطيم تلك التابوهات التي نشأنا وتربينا عليها، وننتظر رداً علمياً من علماء الأزهر لكنهم خذلونا. كنت أنتظر منهم مقارعة حجة إسلام بحيري بالحجة والعلم والدليل لكنهم جميعاً لجأوا إلي السب والقذف والصراخ والاتهام بالجهل وعدم الفهم وصولاً إلي الاتهام بالهرطقة. ليس دفاعاً عن الدين إنما استمساك بعجزهم. الرجل يقرأ لنا نصوصاً من أمهات كتب التراث يحددها بالإسم ورقم الصفحة والفقرة. الكلام واضح يؤيد ما يدعيه البحيري من فهم ولا أقوي علي مواجهة حجته، بل إني استسلم أمام شروحه ولا أسمع في المقابل من شيوخنا الأجلاء أبناء الأزهر ما يشفي غليلي ويدحض ما يأتي به البحيري.. لاشئ سوي الصراخ والرفض والرمي بالجهل وعدم الفهم أو الحديث عن غير علم! إنني وغيري نبحث عمن يواجه «تحذلقات» إسلام بحيري، فلا نجد سوي سفسطة وهروباً إلي الأمام من المآزق والمناقشات العلمية عبر الهجوم الشخصي. وإذا كان البحيري يشتط فيرفض فقه السلف، وفقه المذاهب، ويتهمهما بالتأصيل للإرهاب الذي نكابده اليوم، فإن علماءنا يعترضون بكل همة لكن دون بذل أي جهد لمقارعة حجته المغلوطة - في رأيهم - بالحجج الصائبة. لقد أصبح تجديد الخطاب الديني ضرورة، لكن تجديد الفكر الديني يكتسب الآن أهمية قصوي تفوق تجديد الخطاب. علينا تشجيع المجددين من علمائنا، وتحمل حماستهم التي تولد بعض شطحاتهم الفكرية مادامت لا تهدم أو تتعارض مع أصول الدين. دعونا نكون أكثر حلماً وانفتاحاً حتي لا نتحول إلي النسخة العصرية من الكنيسة الكاثوليكية التي لم تعترف بخطئها في محاربة نظريات جاليليو ولم ترد له اعتباره العلمي إلا بعد مماته. اعتذار الأمين العام أظن انه من الواجب علينا تفنين الاعتذار الصريح الذي أدلي به كبير الدبلوماسيين العرب السيد نبيل العربي للمسيحيين عن زلة لسان غير مقصودة فُهم منها أنه يسئ - حاشا لله - المسيحيين في كفة أنحاء العالم. وأرجو أن يكون اعتذاره مرضيا لكافة الكنائس المسيحية علي تعددها «وأظن أنه ما كان يقصده السيد الأمين العام». لقد استطاع العربي بحنكة الدبلوماسي وسرعة أدائه أن ينزع فتيل أزمة كادت أن تنشب.. وليت باقي المسئولين يحذون حذوه في ضبط إيقاعات تصريحاتهم الحماسية، خاصة من يتمتعون بمكانة رفيعة ودولية مثل السيد العربي المحسوب وطنياً علي مصر ووظيفياً علي العالم العربي بأكمله.